الأربعاء 15 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

مذكرات تحت الماء

مذكرات تحت الماء
28 مارس 2020 00:34

برينا مالوني*

في كتابه الجديد «حياة الشعب المرجانية: مذكرات تحت الماء»، كتب كالوم روبرتس «هناك لحظات في الحياة يتغير فيها كل شيء». بالنسبة له، جاءت هذه اللحظة في المملكة العربية السعودية عام 1982. لم يكن كالوم بعد عالم أحياء بحرية أو كاتباً حاصلاً على جائزة أو أستاذاً جامعياً. لقد كان طالباً بريطانياً لم يسافر للخارج من قبل. وكانت مهمته المساعدة في رسم خريطة الشعاب المرجانية غير المعروفة في البحر الأحمر.
كان جمع أول بدلة غطس من القطع: «كيس من القصاصات، ولفة من الشريط المطاطي للحياكة وصفيحة غراء». وفي أول مرة قام فيها بالغطس هناك، حاملاً أسطوانات الأكسجين الثقيلة وحزاماً، كان روبرتس يتمايل وسط الأمواج العنيفة. وهو يتذكر قائلاً: كانت شمس الصحراء قد دفأت المياه لدرجة الغليان. أمسك أنبوبة التنفس الخاصة بالغطس بأسنانه وركز بصره على الأمواج، باحثاً عن فجوة للغطس فيها، لكن التوقيت لم يكن مناسباً.
سرعان ما ألقت به الأمواج على ظهره. ومزقت شعاب المرجان الحادة جلده. واندفعت المياه المتدفقة والدماء من جراحه، لكن روبرتس اندفع إلى الأمام في محاولة أخرى لاختراق حاجز الماء.
لم يكن دخولاً جيداً، لكنه دخل عالماً آخر بالطريقة نفسها. وبينما كان يهبط، كانت الألوان تتغير. وتلاشى الماء الدافئ، وأصبحت درجات الأزرق أغمق. ولم يستطع أن يرى سوى الشعاب التي تحته. وهناك، رأى حياة مليئة بالألوان. لم تكن هذه الأسماك التي رآها في كتبه المدرسية. وكثافة الألوان لا يمكن تكرارها - البرتقالي الملتهب، والأزرق الحاد والأحمر اللامع. وسرعان ما أصبح مغموراً باندفاع متهور من الأجسام. أسماك من جميع الأحجام والأنواع تتحرك داخل وخارج الشعاب المرجانية في حالة من الفوضى المنظمة.
كانت هذه هي أول مرة يغطس فيها من بين عدد لا يحصى من مرات الغطس خلال حياته المهنية الطويلة، لكن هذه المرة بقيت مطبوعة في ذهنه بشكل لا يمحى. إن مذكرات روبرتس عبارة عن قصيدة غنائية غنية وجميلة للبحر وللشعاب المرجانية وللعلم نفسه.
إن روبرتس يكتب لنا من زمن قبل ظهور الهواتف الذكية ونظام التموضع العالمي (جي بي إس)، وقبل أن يصبح من الشائع أن يزور الناس الشعاب المرجانية. وبينما يروي روبرتس رحلاته عبر المحيط على مر الزمن، فهو لا يصف فقط بشكل بديع الشعاب المرجانية التي زارها ودرسها، بل يتيح للقراء الاضطلاع على تطوره كعالم.
من أول مرة قام فيها بالغطس، كان عليه أن يتدرب على مراقبة وتسجيل وتحليل ما يأتي أمام عينيه. وكان عليه أيضاً أن يتعلم التفكير النقدي ويطرح الأسئلة الصحيحة. عندما بدأ عمله في الثمانينات، كان العلماء الراسخون لا يعرفون سوى القليل عن الشعاب المرجانية ويجدون صعوبة في الأسئلة الأساسية. هل الشعاب أماكن قوية أم هشة؟ كم عدد الأنواع التي تتعايش سلمياً؟ وكان هو شخصياً لديه أسئلة عديدة.
وللعثور على إجابات، كان عليه أن يدرس هذا العالم الجديد بطرق جديدة. حتى أبسط الخطوات -تعلم الأسماء اللاتينية لأنواع الأسماك المحلية - كانت تشكل تحدياً.
وبعد عدة مواسم في البحر الأحمر، أخذته دراساته بعيدا - قطر، ومصر والكويت وإيران والبحر الكاريبي وأستراليا وجزر المالديف وتدمر. ومع الغطس المرة تلو الأخرى، قام بجمع البيانات وتسجيل ملاحظاته. وبمرور الوقت، نمت معرفته: «الشعاب المرجانية تأتي وتذهب، وكل منها عبارة عن إلهام للحياة، مثل التنقل من معرض إلى معرض في متحف من الروائع. ويتشكل ببطء خليط من الأسماك في أنماط متكررة، مثل أشكال الفسيفساء التي تم جمعها من أجزاء مفردة. وكل نوع له تفضيلات مميزة، ويعيش فقط في أماكن معينة. البعض يشبه منصة الشعاب المرجانية، والبعض الآخر مثل البحيرة الرطبة، أو مثل المنحدرات المظللة. يمكنني الآن أن أتوقع أين أجدهم، وأنتزع ما يشبه النظام من الفوضى الواضحة».
وهو يخبرنا أن العلم يتطلب الصبر وأن خطوات المعرفة تكون تدريجية وبطيئة. وهو يدرك أنه محظوظ لأنه يفعل ما يفعله. وهو حتى يعترف: «هناك بعض الوظائف لا يجب أن تناقشها مع الأصدقاء: ربما من بينها الجاسوس والقاتل وعامل المجاري. لقد اكتشفت أن عالِم الشعاب المرجانية من بين هذه الوظائف. إنه أسلوب حياة يرتبط عند معظم الناس بقضاء الإجازات على الشواطئ، لذا فهم يجدون أنه من المستحيل أن يأخذوا على محمل الجد فكرة وجود أي عمل يتعلق بهذا.
ومع ذلك، فإننا نسافر مع روبرتس، ونفعل ذلك لنرى أنه هو وزملاؤه يعانون أجل علمهم. فالطعام سيئ. والظروف المعيشية بدائية. وفي أحيان كثيرة يجد روبرتس جلده «مقشرا» بفعل الشعاب الخشنة أو الحيوانات اللاسعة. وهناك أيضا حروق الشمس والجلد المالح والشعر المبيض والعدوى والجفاف وطبلة الأذن الممزقة.
ولكن عندما يصف روبرتس الحياة في الماء، فإنك تنجرف حقا. حتى لو كنت لم يسبق لك أن غمست أصابع قدمك في المحيط، فإن لغة روبرتس الغنية ستناديك. وستشعر برغبة في أن تتبعه، وأن تترك الشمس الساطعة وتخطو إلى برودة الماء، وتشعر بسحب التيارات.
..........................................
*مؤلفة ومديرة تحرير مجلة «إكسبلورر» التابعة لقناة ناشونال جيوجرافيك
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©