الأحد 12 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أحمد شعلان: نعيش تحت إبط الشمس!

أحمد شعلان: نعيش تحت إبط الشمس!
1 أغسطس 2019 03:53

أحمد فرحات

ليس سهلاً البتة ما قام به فريق مركبة أبولو 11 الأميركية منذ نصف قرن حتى الآن، وخصوصاً «نيل أرمسترونغ»، صاحب أول «دَعسة» على أرض القمر، والذي مشى متمتماً: «إنها خطوة صغيرة لإنسان، لكنها قفزة كبيرة للبشرية». وتلاه بالسير على أرض الغبار القمري بعشرين دقيقة فقط، زميله «أدوين ألدرين»، وشرعا يجمعان معاً أحجاراً وأتربة قمرية. أما «مايكل كولينز»، ربّان المركبة المشتركة، فقد كان يراقب من داخل أبولو 11 الموقف بحذر وتخوّف من حدوث أي هزة جيولوجية قمرية تطيح بالإنجاز كله، على الرغم من حدوثه.
إنّ هؤلاء الثلاثة، ومعهم جبهة من العلماء والمهندسين الأميركيين المساعدين على الأرض، قدموا للبشرية، منجزاً مفارقاً لمسارها العلمي على ظهر هذا الكوكب وعلاقته بكواكب نظامه الشمسي الأخرى والأقمار الملحقة بها، فضلاً عن مجرّتنا «باب التبانة» وما يتعداها.
من جهة أخرى وضع حدث نزول أول إنسان على سطح القمر حدّاً لرؤيتنا الرومانسية والمخيالية للقمر، و«استخدامه» في سوق «المزايدات» العاطفية والعشقية والسهر الساحر المصحوب بأحلام وآمال شتى، فإذا به، كما اكتشفناه على حقيقته، لا يتعدى كونه كوكباً أجرد مملوءاً بالسواد الكالح والفضاءات الغبارية الطاردة لكل حياة ممكنة على سطحه.
وبالأساس ليس هناك أي أثر للحياة على القمر ولم تكن يوماً كذلك، بحسب د. أحمد شعلان، منسّق علوم الفلك في المجلس الوطني اللبناني للبحوث العلمية، ورئيس الهيئة الوطنية للبحوث والعلوم في لبنان.. وهو أحد المختصّين الكبار بعلوم الفيزياء الذرية، يحمل شهادة دكتوراه بهذا الحقل العلمي من جامعة ليون- فرنسا.
هنا حوار معه بمناسبة مرور خمسين عاماً على هبوط أول إنسان على سطح القمر، تطرقنا فيه إلى موضوعات علميّة شتى خاصة بعلم الفلك وظواهره.
** د. أحمد شعلان.. القمر الذي ألهب أخيلة الشعراء والأدباء وحتى الفلاسفة، عبر مراحل التاريخ المدونة كلها، هل «فضحت» أمره علوم البشر المتقدمة، ولم يعد ذلك الرمز الذي يومض بالجمال والسحر وسائر التجليات الرومانسية والعاطفية؟ وأي معنى تحمله إليكم مناسبة مرور نصف قرن على هبوط الإنسان على سطح القمر؟
- زمنٌ لن يعود... ذلك الزمن الجميل الذي كان فيه البشر يعتبرون أنفسهم ملوك الكون المميزين، في كوكبٍ مركزي مسطح، سُقِفَ بسماءٍ مزينة بالشمس والقمر والنجوم.
ماذا بيد العلماء؟!.. لقد طُبعوا على البحث العلمي بحثاً عن المعارف والحقائق المثبتة، وابتدع خيالهم أدوات للتقصّي والرصد والتمحيص، وبفعلهم هذا فإنهم يسقِطون، إزاء كل اكتشاف، حجراً من عمارة رومانسية البشر الموروثة، ويدوسون من دون قصد، على مقدّسٍ ضحّى البشر على مذبحه، الغالي والنفيس وفلذات الأكباد.
لقد تشكّل كوكب الأرض، في المجموعة الشمسية ومعها منذ 4.6 مليار سنة، وشهد استيطان مخلوقات حية متنوعة ومختلفة الأحجام، إلى أن ظهر شبيه البشر - الهوموسابينس - منذ حوالي مئة ألف سنة فقط، وظهرت أولى الحضارات منذ حوالى عشرة آلاف سنة فقط.
إذن، في البرهة الأخيرة من تاريخ الأرض، ظهرنا كجنس بشري عاقل بين المخلوقات، لنشهد اليوم ثورة معرفية، بل معجزة في تطور العقل وإنجازاته. فحتى حوالى أربعةْ قرونٍ فقط، كانت الأرضُ لا تزالْ بالنسبة إلى البشرْ العالمَ الأكبرْ ومركزَ الكونِ الذي تدورُ حولَه السماءُ والنجومْ، كما رآها أرسطو اليونانيّ منذ حوالي 2400 سنة.
ومنذ أقل من 200 سنة، صَغُرَتْ الأرضُ أمام ساكنيها وبتنا قادرينْ أن نصل إلى القارات البعيدة بساعاتٍ قليلةْ، بل وصل البشر إلى القمر منذ 50 عاماً، ووصلت مسابيرُهم غير المأهولة إلى الكواكب البعيدة، بل خرج بعضها (فوياجير 1 و2) من حدود النظام الشمسي إلى فضاء المجرة.
وفي الذكرى الخمسين لوصول البشر إلى القمر، واستكشاف حقيقته المخيّبة كأرض صحراوية جرداء، لا ماء عليها ولا حتى هواء، وهو ليس سوى جزيرة فضائية تابعة لكوكب الأرض، يسبح في فضاء جاذبيتها على بعد حوالي ثانية ضوئية واحدة عنا، نهلّل للحقيقة العلمية مهما كانت.
لقد كانت رحلة أبولو 11 فاتحة رحلات إضافية مأهولة إلى القمر، وكانت «دعسة» نيل أرمسترونغ على سطحه «خطوة صغيرة لرجل وإنجازاً كبيراً للجنس البشري» وقتها كما صرّح أرمسترونغ حينها من على القمر.
وربما، كما وُلدت حواء من ضلع آدم، وُلد هذا القمر من ضلع الأرض إثر اصطدام قديم مع كوكب آخر، بحسب النظرية السائدة بين علماء الفلك حتى اليوم.

** إذا كان القمر أرضاً صحراوية لا ماء عليها ولا هواء كما تقول، فبماذا تعلق على المعلومة القائلة إن «ناسا» أطلقت صاروخاً في العام 2009 وصل إلى فوهة قريبة من القطب الجنوبي للقمر، وتبيّن أن فيها جزئيّات جليدية، ما يعني أن عنصر الماء موجود.. والماء يستتبع بالضرورة وجود حياة؟
- لا، ليس هناك بالطبع أي أثر للحياة على القمر، ولم تكن يوماً كذلك. وواقع وجود بعض الجليد المائي أو الكربوني في بعض الحفر والمنخفضات التي تكاد لا تصلها أشعة الشمس، لا يغيّر الواقع القاحل والمقفر للقمر.

الشمس و«حياتها»
** كمختص بعلم الفيزياء الذرية وفي العلوم الطيفية أسألك، ماذا عن الشمس و«حياتها» وكيف يحدد العلماء عمرها ومصيرها؟ وأي سيناريو يمكن أن ترسمه لعملية موتها وأثر ذلك على الأرض والكواكب القريبة؟
- نحن من عائلة الشمس، تبقينا «تحت إبطها» على مسافة 8 دقائق ضوئية فقط (ما يوازي مسافة 150 مليون كلم فقط)، في حين أن أقرب نجم آخر إلينا يبعد أكثر من 4 سنوات ضوئية (أي أن الضوء الذي يصلنا اليوم من ذلك النجم، كان قد انطلق منه منذ أكثر من 4 سنوات في الماضي).
والشمس نجم معتدل الكتلة من فئة «القزم الأصفر»، يتّسع لأكثر من مليون وثلاثمئة ألف كوكب مثل الأرض، ويزن أكثر من 333 ألف مرة أكثر من وزن الأرض! وتتكوّن الشمس، كما كل النجوم، من غاز الهيدروجين أساساً، ومن الهيليوم المتولّد عن الاندماج النووي للهيدروجين في قلب الشمس.
النظرية السائدة في علم الفلك أن المجموعة الشمسية (الشمس وكواكبها الثمانية وأقمارها التابعة وباقي النيازك والمذنّبات) وُلدت من رحمٍ واحد إثر انهيار سديم أورايون على ذاته وتجمّع غباره ومواده وذراته في أجسام مختلفة: الشمس كنجم ساطع في مركزها، وباقي الأجرام العالقة في جاذبيتها تدور حولها.
وبما أننا نستطيع تحديد عمر تشكّل كوكب الأرض عبر قياس نسبة الرصاص الذي ورث اليورانيوم منذ لحظة تشكله، فإننا بذلك نتكهن بعمر الشمس المماثل.
أما كتلة الشمس، فإن باستطاعتنا قياسها بدقة من خلال قياس جاذبيتها على كوكب الأرض، عبر تطبيق قوانين كبلر ومعادلاته التي تستنتج مقدار كتلة الشمس الجاذبة من مدة دوران أي كوكب حولها وبعده عنها.
تبث الشمس في ثانية واحدة طاقة تكفي كل كوكب الأرض وساكنيه لأكثر من عشرة آلاف سنة!. هذه الطاقة تنتج عن تحول قسم من كتلتها إلى إشعاعات مختلفة وجسيمات تلفح الكواكب الداخلية القريبة مثل «ريح شمسية».
واستناداً إلى معرفتنا بمقدار الطاقة هذه التي تبثها الشمس في كل ثانية، أي الكتلة التي تفقدها في كل ثانية، فباستطاعتنا احتساب الزمن الذي تتراجع فيه الشمس عن كونها نجم مضيء بسبب تراجع كتلتها. هكذا قدّر العلماء أن ما بقي من كتلة الشمس يكفي ليبقيها نجماً حتى 4.6 مليار سنة منذ اليوم. في أواخر عمرها هذا، يُقدّر أن تنتفخ الشمس كـ«مارد أحمر»، وتبرد حرارة سطحه إلى حوالي 2000 درجة فقط (هي اليوم 6000 درجة)، لكن غلافها المنتفخ سوف يتخطّى كوكب الأرض وما قبله كعطارد والزهرة، وسوف «يحمّصنا» تماماّ، مبخّراً كل ماء الأرض، وطبعاً.. كل حياةٍ عليه.
لكن الشمس حينها، إذ تنطفئ تموت كنجمٍ مشعّ نضبَ وقوده النووي، سوف يتحول «جثمانها» إلى «حبةٍ» صغيرة من ألماس (أي كربون مضغوط) تزن مقدار نصف وزنها الحالي، وحجمها بمقدار كوكب الأرض ليس إلا.. ألماس نوعيّ شديد الكثافة، يزن فص الخاتم منه أطناناً عدة!

الثقوب السوداء
** لنتحدث عن الثقوب السوداء.. ما هو تعريفك لها؟ وأي ثقب أسود ينتظر ابتلاع نظامنا الشمسي؟
- يمثل الثقب الأسود نقطة كثيفة في الفضاء تأخذ كل ما يقع نحوها إلى مجهول خلفها. ويوصف ذلك الثقب بأنه أسود، بمعنى أنه غير قابل للرؤية، فالسواد في الفيزياء هو غياب اللون، أي غياب الضوء الذي يتيح الرؤية. إذن، كيف تمكن العلماء من تصوير ما لا يمكن رؤيته؟
وللثقب الأسود حكاية قديمة أسّس لها العالم الإنجليزي الشهير السير إسحاق نيوتن (1642 - 1726)، في كتابه «المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية»، الذي نُشر للمرة الأولى عام 1687، واختصر في التداول بكلمة «برنسيبيا» (المبادئ)، وأسس فيه الميكانيكا الكلاسيكية.
وكان نيوتن عالم رياضيات، وعالم فيزياء، وعالم فلك، وعالم لاهوت، ومؤلف وفيلسوف. وكان معروفاً على نطاق واسع بأنه واحد من أكثر العلماء نفوذاً في كل العصور، وشخصية رئيسة في الثورة العلمية المعاصرة.
في «برينسيبيا»، صاغ نيوتن قوانين الحركة والجاذبية الكونية التي شكلت وجهة النظر العلمية المهيمنة حتى أوائل القرن العشرين. استخدم نيوتن وصفه الرياضي للجاذبية لإثبات قوانين كيبلر لحركة الكواكب، وحساب المد والجزر، ومسارات المذنّبات، والظواهر الأخرى، والقضاء على الشك حول مركزية النظام الشمسي. وأثبت أن حركة الأجسام على الأرض والأجرام السماوية يمكن حسابها بالمبادئ نفسها. وقد أقنع معظم العلماء الأوروبيين بتفوق الميكانيكا النيوتونية على الأنظمة السابقة.
عام 1783، أي بعد حوالي مئة عام من الثورة المعرفية التي أطلقها نيوتن، استنتج اللاهوتي الإنجليزي جون ميتشيل (1724 - 1793) إمكانية وجود أجسام مظلمة في الكون، مستنداً إلى قوانين نيوتن حول الجاذبية ومقولته حول سرعة الانفلات من الكواكب، متسائلاً عما إذا كان يمكن أن توجد أجسام في الكون كبيرة الكتلة، بحيث لا يستطيع أي شيء أن يفلت من جاذبيتها، حتى الضوء.
بعد ذلك خضعت النظرية لكثير من الأخذ والرد، وتوصيف حالات مختلفة لمثل هذه الأجسام المفترضة، إلى أن أطلق عليها الفيزيائي الأميركي جون ويلر (1911-2008) اسم «الثقوب السود» عام 1967.
هكذا منذ حوالي قرنين ونصف القرن، أي منذ أن استنتج ميتشيل إمكانية وجود أجسام مظلمة في الكون بسبب قوة جاذبيتها، بقي الثقب الأسود مخلوقاً فيزيائياً نظرياً افتراضياً، يشغل بال علماء الفيزياء، إلى أن تمكن علماء وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) أخيراً من الحصول على الصورة الأولى لثقب أسود عملاق في مركز مجرة M87، على بعد حوالي 53 مليون سنة ضوئية من الأرض، وذلك باستخدام بيانات متعددة لشبكة من التلسكوبات الراديوية المتخصصة. وتُظهر الصورة، التي نشرت مساء 10 نيسان 2019، حلقة ساطعة حول الثقب الأسود الذي تزيد كتلته بمقدار 6.5 مليار مرة عن كتلة الشمس.
أما الثقب الأسود الهائل الكتلة، الذي يقبع في مركز مجرتنا «درب التبانة»، ويعرف ب «ساجيتاريوس.أ»، فهو يبعد عن شمسنا 26000 سنة ضوئية، وهو ثقب أسود ناشط يبث أشعة إكس بشكل متناوب، ما يعني أنه يستمر بابتلاع الغازات والمواد من الأجرام القريبة له. ومن يدري، فقد يبتلع تدريجياً المجرة برمتها ويتحول في بضعة مليارات من السنين إلى وحش فلكي آخر من نوع «كوازار».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©