الأربعاء 15 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الزوجان جوبير يطاردان حيوانات أفريقيا 30 عاماً بالكاميرا

الزوجان جوبير يطاردان حيوانات أفريقيا 30 عاماً بالكاميرا
27 نوفمبر 2010 20:20
ثلاثة عقود تقريباً أمضاها الزوجان جوبير، ديريك وبيفرلي، يصوّران الحياة البرية في مناطق عديدة من العالم وخصوصاً في أفريقيا قارتهما، حيث ولدا في جمهورية بوتسوانا الجنوب أفريقية، وقررا أن يكرّسا حياتهما كصانعي أفلام لتصوير الحيوانات التي بدأت أعدادها تتناقص في أفريقيا من أجل المساهمة عبر المراقبة والتصوير وكتابة المقالات وإصدار الكتب، في زيادة الوعي حول العالم عن أهمية المحافظة على هذه الحيوانات الأساسية في الدورة الطبيعية لحياتنا على الأرض. ثلاثة عقود نال فيها الزوجان خمس جوائز “إيمي” للأفلام، وجائزة علم البيئة الدولية، بالإضافة إلى تسميتهم في الأكاديمية الأميركية للإنجازات، مصوّرين لاثنين وعشرين فيلماً ومصدرين عشرة كتب ومقدّمين ستة بحوث علمية، كما كتبا العديد من المقالات في مجلة الناشيونال جيوغرافيك. تكريسهما لحياتهما من أجل المحافظة على بيئتنا وعلى الحياة البرية الأفريقية بحيواناتها النادرة... والبرنامج الأخير الذي ساهموا فيه هو “الهجرات العظمى” في سبع حلقات تبث على ناشيونال جيوغرافيك أبوظبي الساعة التاسعة ليل الأحد، حيث صوّروا حيوانات “النوّ” (Wildebeests) والحمير الوحشية، والتي يتناقص عددها بشكل دراماتيكي وهي تهاجر ضمن دورة محددة من كينيا إلى تنزانيا في سعي نحو الحقول الخصبة لتأمين الغذاء للبقاء. عدم إنجاب الأولاد هذه الخبرة وتكريس حياتهما كزوجين معا في ظل القرار بعدم إنجاب الأولاد للتمكّن من متابعة عملهما في الأدغال والبراري الأفريقية، جعلت لهما مساحتهما الخاصة وثقة بنيت مع مرور السنين ولم يعد لديهما صعوبة في إقناع القيّمين على قناة ناشيونال جيوغرافيك بالموضوع الذي يودّ الزوجان التركيز عليه لفيلم جديد أو برنامج أو حلقة. فبعد “الهجرات العظمى” الذي صوّر في قارات عديدة من العالم متابعاً هجرات حيوانات البطريق والدلافين والسرطان الأحمر والنوّ والحمير الوحشي والفراشات والفيلة وسواها، يتابع الزوجان ديريك وبيفرلي جوبير حالياً تصوير ودراسة السمهوريات The Big Cats المهددة في عدة أنواع منها بالانقراض. في لقاء معهما على أرض محمية ماساي مارا في كينيا، تحدث الزوجان جوبير عن حياتهما معا وعن رسالتهما مع ناشيونال جيوغرافيك، وغالبية الحوار تمّ في فترات انتظار عبور حيوانات النوّ من جهة إلى أخرى من نهر مارا في طريق هجرتها وحول مواقد النار في أحد مخيمات ماساي مارا الحكومية، وقد تناولت واحدة من حلقات “الهجرات العظمى” هجرة “النوّ” والحمير الوحشية، وهو البرنامج الذي يعتبر تحدياً مع ملاحقة هجرة العديد من الحيوانات حول العالم في عمل دام لثلاث سنوات اختصرت بساعات للمشاهدين في رسالة تتخطى الأبعاد الجمالية الفنية والتقنية إلى رسالة واضحة حول ضرورة المحافظة على الحياة البرية وعلى الحيوانات المهدّدة بالانقراض عبر إجراءات جدية قد تتخذها الدول المعنية بعد عرض مثل هذه البرامج. حركة الحيوانات في حديث مع ديريك جوبير قبل أن تنضم إلينا زوجته، سألته “لقد أمضيت 250 يوماً في إحدى مهماتك مع زوجتك - وهي مصوّرة فوتوغرافية، بالإضافة إلى عملها معك في صناعة الأفلام- من دون أن تريا إنساناً واحداً تتحدثان معه، موجودان في البراري تترقبان حركة الحيوانات الليلية... كيف تحمّلتما ذلك؟ وكيف تستمر علاقتكما من دون التواصل مع الناس لهذه الفترة؟” هدوء ديريك ملفت جداً فتشعر أنه اندمج في لحظات الطبيعة الصامتة، ذلك الصمت الذي يحكي الكثير، هدوء الصبور والمراقب الثاقب النظر والقنوع في حياته، أجاب سؤال “دنيا” الاتحاد، بالقول “قبل الولوج في العمق في مهنتنا، فكرت في الأمر ورأيت أنه في المهن العادية يمضي المرء أهم وأكبر جزء من وقته في العمل، ولا يبقى لديه إلا القليل من الوقت وهو وقت الاستراحة من تعب النهار وعدم التركيز، ليمضيه مع شريكة حياته.. لذا كان قراري وقرار بيفرلي مبنياً على تقديرنا لهذا الوقت الأكثر قيمة في حياتنا، فقررت أن نعمل معاً على عكس ما يقوم به البعض، فأنا وددت أن أمضي الأوقات المهمة مع شريكتي في التفكير وفي العمل وفي المحبة، لذا أعتقد أننا اجتزنا مراحل كثيرة معا لنحو ثلاثة عقود في البراري، مفضلين حياة البراري على حياة المدن وأمضينا مرة بالفعل 250 يوماً من دون أن نرى أي إنسان نتحدث معه ونتفاعل معه، ولم يؤثر ذلك علينا سلبياً... لقد تعزّزت علاقتنا معاً وأنا أعرف وأنا أتحدث معك أين هي زوجتي وماذا تقول وإن كانت مبتسمة في هذه اللحظات وهي أيضاً تعرف عني المثل”. وحين انضمت بيفيرلي إلى الحديث، علّقت “إذا أراد الجميع أن يعيش مثلنا، أنا وديريك، في البراري، لما بقي لدينا حياة برية أبداً... ذلك أن الإنسان يميل إلى جعل الأمور ملموسة ومن ممتلكاته، والحيوانات تحاول حتى في هجرتها من منطقة إلى أخرى، أن تمتلك منطقة لها، مرعى... ووجود الإنسان في تلك النواحي سيقضي بطبيعة الحال على البراري.. ومن هذا المنظار تبدو هجرة الإنسان إلى المدن نعمة وإنقاذاً للحياة البرية”. أما لماذا يمضي الزوجان حياتهما في البرية، فقال ديريك “وجدنا منذ بداية عملنا أن هناك حاجة ماسة لتوعية الناس عبر المعرفة بما يجري في نظامنا البيئي، لأنه لو يقينا كما نحن فسوف يتداعى هذا النظام وينهار كوكب الأرض، وكنّا كلما تطرقنا إلى الموضوع أمام عدد من الناس، نجد من يقول لنا “ولكن هناك الآلاف من الحيوانات على الأرض، فكيف سيتداعى كل ذلك؟ فرأينا أنه أمام الجهل الكبير حيال هذا الأمر، لا بد لنا من التحاور أكثر مع الناس بطرق وأساليب متعدّدة، وجاء حوارنا معهم من خلال الأفلام التي نصوّرها وفي غالبيتها هي احتفاء بالطبيعة واحتفاء بالأنظمة البيئية... تلك العشبية والمشجّرة... احتفاء يدفعك لأن تصبح معنياً بالأمر؛ لأن هذا النظام البيئي مهدّد فعلاً وبشكل كبير بالانهيار”. السمهوريات وتحدّثت بيفرلي عن الحيوانات المهدّدة بالانقراض وأنواعها في خطر فعلي، وأشارت إلى السمهوريات التي بدأ الزوجان يراقباها بعد أن انتهيا من برنامج “الهجرات العظمى”، مشيرة إلى “أن زوال أو انقراض عدد من الحيوانات الضارية (المفترسة) هو مؤشر على واقع الحال في المناطق البرية في أفريقيا”، مضيفة “في زمننا ومنذ 50 سنة إلى اليوم، لاحظنا تدني أعداد الأسود والنمور وفهود الشيتا وسواها، وتدني عددها له تأثير بالغ وإن استمراريته على هذا المنوال يعني أن كل ما يحيط بهذه الحيوانات يتعرّض للخطر عينه. ومثالاً على ذلك، خلال ثلاثة عقود عملنا فيها، وفي أحد أفلامنا التي رصدنا فيها حيوانات الحمار الوحشي وهجرتها واجتيازها منطقة البراري، في عشرة سنين فقط تناقص عددها من 45 ألف حمار وحشي إلى 7 آلاف... ومن دون شك هذا إنذاراً بما يجري وسعينا عبر تصويرها ودراسة ما يجري مع هذه الحيوانات جذب الاهتمام نحو ما يجري ورؤية إذا كان ثمة حلول لهذا الواقع المتردي، وفعلنا ذلك في بلدنا في بوتسوانا وما كان من حكومة بوتسوانا بعد مشاهدة الفيلم إلا أن حزمت أمرها واتخذت القرار المناسب بإيقاف إعطاء أذون الصيد، فقد كان يتم اصطياد نحو 45 حمارا وحشيا لمجرد أخذ جلودها وبيعها، وبالإضافة إلى ذلك، عمدت الحكومة البوتسوانية إلى التقليل من رحلات السفاري المخصصة للاصطياد. وبالتالي ثمة سبل متعددة لتغيير هذا الانعطاف في النظام البيئي، ولكن الواقع يشير إلى أنه انعطاف حاد وعنيف وبالغ التأثير”. وفي غوص أكثر عمقاً في هذا الالتزام في الحياة البرية، تاركين حياة المدينة، قالت بيفرلي جوبير “حسناً... رنه لأمر حتمي أن يكون لدينا هذه الحياة البرية، والأمر يعود لعدة أسباب... أحدها سبب روحيّ بحت، إننا كبشر نحتاج فعلاً إلي الحياة البريّة ومن دونها سيكون وضعنا أسوأ ممّا هو عليه”. وقال ديريك جوبير “أعتقد أنه لأن لا صوت لهذه الحيوانات فإنها تحتاج إلي سفراء، ونحن نقوم بهذا الدور، وسوانا ممّن يصوّرون الأفلام الوثائقية يقومون بدور مماثل، وليس نحن وحسب، كما أن “نحن وحسب” لا تكفي. إننا نحتاج إلى أن نكون سفراء لهذه الأنظمة البيئية، لهذه الحيوانات، للنوّ، للحمير الوحشية، للفهود والنمور التي تعاني كلّها من وضع ميؤوس منه. أو تعرفين ماذا يظنّ الناس؟ إنهم يعتقدون أن هناك الكثير من الأسود هنا في أفريقيا، وهذا ليس صحيحاً أبداً”. الحياة البرية وهل تكفي الجوائز التي نالها الزوجان بجزء من المكافأة على تكريس حياتهما للحياة البرية سفراء للحيوانات التي لا صوت لها؟ وهل ثمة مكافأة أساساً لكلّ ما يقومان به؟، قال ديريك “إننا نحصل على الوسام من هذه الحيوانات. في الواقع، لا، إذ لدينا مكافآت شخصية إذ ليس ثمة ما يكافئك أكثر من البحث في جزء من الغابة الذي يبدو فارغاً ليأتي بعدها نمراً ذكراً كبيراً ويتمدد على غصن إحدى الأشجار.. ولعمري إنها مكافأة يقدرها الجميع، وهي مكافأة أن ترين حيوانات النوّ تعبر النهر اليوم وأن هذا العبور لا يزال يجري وقد يتوقف بعد جيلين من عمر الإنسان، إنه امتياز حقيقي، وهذه كلّها مكافآتنا”. وقالت بيفرلي بدورها “لقد أمضينا أكثر من 28 سنة في الحياة البرية نخلق مهنتنا التي هي أكثر من شالفن التشكيلي، إنما من خلال الفن التشكيلي بكل جزء منه هدف للمحافظة على البيئة، إنه أمر مشبوك تماماً. من مكافآتنا، ونحن لم ننجب أطفالاً بقرار منّا للتمكن من تكريس حياتنا لحياة البريّة، أننا تمكنا من صناعة أفلام وأعمال تمثّل كلّ منها طفلاً من أطفالنا. لقد عرفنا أن هذا سيكون أحد التضحيات التي سنقدّمها، ولأوضح أكثر، فأنا وديريك حين بدأنا هذا العمل علمنا أنه لنتمكّن من إنجاز عمل يجذب الاهتمام علينا أن نقدّم عملاً استثنائياً، وكي يكون استثنائياً كان لزاماً علينا أن نكرّس معظم وقتنا له. في البداية كان عملنا ليليّ فكنّا نخرج الساعة الرابعة عصراً ولغاية الساعة تاسعة صباحاً، في ظل حرمان من النوم في وقت النوم، وهذا يعني أن التضحية جاءت أيضاً في صحّتنا، ولكن شـغفنا بما نقوم به وبالاكتشــافات التي نكتشفها في هذه البراري ليلاً والتي لم يسبق لأحد أن صوّرها أو شاهدها أو علم بها، كان بالفعل مصدراً للغبطة والسرور لدينا... كان المجهول الذي نقوم باكتشافه وحين نكتشف أشياء فيه نشعر بأن ذلك يحفزنا للمزيد...”. وعقّب هنا ديريك بالقول “لقد أجرينا نوعاً من العقد أو الاتفاق الاجتماعي مع الحياة البرية التي نغطيها فأصبحنا صوتاً لها وهي صنعت لنا ما نسميه مهنتنا التي أوصلتنا إلى درجة أننا حين نريد القيام ببرنامج أو فيلماً عن الفهود الهندية مثلاً أو النمور، ليس علينا إجراء نقاش حول إذا ما كان بوسعنا القيام بذلك أو لا. ففي ناشيونال جيوغرافيك باتوا يعرفون أن بوسعنا القيام بذلك... وبالتالي الأمر يسير في الاتجاهين معاً... وكلّ ذلك مكافأة لنا”. الأجيال القادمة إلى الأطفال التي هي أعمال الزوجين جوبير، ثمة الأطفال الذين يتابعون قناة ناشيونال جيوغرافيك حول العالم وبمختلف اللغات وإحداها بالعربية للمرة الأولى مع قناة ناشيونال جيوغرافيك أبوظبي، فماذا يشعر الزوجان بما يتركونه للأجيال القادمة وهل يتركون لها ما يشكّل معرفة ووعياً في أهمية المحافظة على نظامنا البيئي المتكامل؟ عبّر ديريك عن أمله بأن يكون وزوجته قد لعبا دوراً في المحافظة على بعض الحيوانات المهدّدة بالانقراض، كما أمل، من جهة ثانية، “أن نترك ميراثاً فنياً يبقى للأبد، عن حكاية نأمل أن نكون قد رويناها بطريقة جيدة، عن الأسود والنمور والضباع أو أي نوع آخر، حكاية تبقى دائماً ويتمكن الأطفال من مشاهدتها، ومن الممكن أن تصبح مثالاً لهم، حياتهم، بأساليب متعدّدة... وإن الخط الرئيسي لقصصنا ورسائلنا هي مآس يونانية أو خرافات لجهة وصفها، إنها الحكايا نفسها إنما بأسلوب مختلف”. وقالت بيفرلي “لقد أخذنا الكثير من هذه الحيوانات، فهمنا الإنسان أكثر. وفي الغالب، أضع نفسي مكانها، وأفكّر كي كان بوسعنا تدبّر أمرنا للتطوّر على شكل النموذج المثالي؟ هذا فعلاً لأمر مذهل”.
المصدر: كينيا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©