عادة ما يكون الشقاء رفيقي في هذه الرحلة الأبدية التي عرفت نفسي خلالها، رحلة البحث المزمن عن كتاب ينضم إلى الكتب التي حفرت لنفسها مكاناً أثيراً بين الكتب التي جمعتها في مسيرة حياتي، كتاب يثير حواسي ويشغلني به لفترة طويلة تمتد إلى باقي العمر.. كتاب أجعله رفيقي في كل سفراتي مهما خفت أمتعتي، كتاب أعود لصفحاته رغم قراءتي له مرات ومرات. إنها رحلتي الشيقة رغم إحباطاتها الكثيرة مقابل مرات نجاحاتها، رحلة البحث عن كتاب فيه شيء يستحق!
في رحلة البحث هذه أسال أصدقاء القراءة وأزور مواقع الكتب الإلكترونية، وأقرأ تعليقات الناس في «جودريدز»، وأتابع ما يتصدر أندية القراءة عن أفضل الكتب، وتبقى نسبة النجاح ضئيلة جداً بل وشبه معدومة. أتردد على دور النشر التي اعتدت زيارتها لسنوات طويلة في معارض الكتب، أسأل أصحابها عن الجديد والمثير وما يستحق أن أحمله بيدي التي لا تتحمل الأثقال، وأقف طويلاً لأتصفح كتباً لعل فيها ما يجذبني على أمل أن أجد ما يستحق.
أتذكر متى أصبحت هذه الرحلة بهذا الشقاء، فلا أذكر، ولكني أسترجع زياراتي قبل عالم الإنترنت، أعود لأيام أشاهد فيه نفسي وأنا طفلة بصحبة والدها تجر كيساً فيه بعض الكتب، أتفحص بلهفة نفد منها صبر الانتظار حتى العودة للمنزل لقراءة ما حصلت عليه، حالمة بأوقاتي المقبلة التي ستعزلني عن الجميع في خلوة غير حقيقية في غرفة تنام فيها كل أخواتي.. إنها الهواية التي شغلت حياتي بها ودفعت ثمنها من علاقاتي المحدودة بكل ما هو محيط بي، لعب وأصدقاء ووسائل ترفيه عديدة، هواية أهدتني رحلة كانت تستحق.
معارض الكتب فرصة حقيقية وطريق أمثل لهذه الرحلة، بعيداً عن ملهيات الحياة وانشغالات اليوم وضوضاء المحيطين. في معارض الكتب اجعل هدفك رحلة تستحقها روحك، استغل المكان وما فيه ومن فيه لجعل رحلتك مميزة وفيها فارق معرفي ونفسي، في رحلة البحث عن ما يستحق ستتعرف على نفسك وما تستحقه، ما يجعلها تسمو وتنمو وتترفع وتدرك مكانك الحقيقي.. وسترنو إلى ما هو أفضل.