استمراراً لحديثنا بالأمس، نواصل رحلة الغوص في درر ومكنونات الدورة الـ 33 لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب التي اختتمت في عاصمتنا الحبيبة مؤخراً، نتوقف اليوم أمام الفعالية التي استضافتها منصة «طيبة» في تلك الزاوية القصية من القاعة رقم 12 من المعرض المترامي الأطراف، كانت فعالية نوعية في العرس الثقافي الاستثنائي، والتي انعقدت بعنوان «التراث الموسيقي من منظور عصري»، واستضافت الموسيقار اليمني الشاب محمد القحوم الذي نجح في تحقيق حلمه ومغامرته بمزاوجة التراث الموسيقي لمنطقتنا العربية، وتحديداً من منطقة الجزيرة والخليج العربي، بالأوركسترا الغربية الحديثة.
كانت بالفعل مغامرة بالمعنى الشامل للفتى القادم من وادي حضرموت ذي الطبيعة المحافظة والأعراف الصارمة، والذي رحل بحلمه في عالم الأوتار والألحان لدراسة الموسيقى نحو الشقيقة الأردن غير المعروفة في هذا المجال. وأبدع في قيادة الأوركسترا الهجينة في حفلات ناجحة للغاية في كل من كوالالمبور وباريس والقاهرة والكويت.
شخصياً، كنت أعتبر ما أقدم عليه «المايسترو المغامر» نوعاً من العبث بموروث غنائي طربي وموسيقي أصيل، قبل أن يفاجئني القحوم وحضور الأمسية بحججه المقنعة التي تبدّت بعبارة «لم لا؟»، وقد نالت المغامرة ذلك الاستحسان والقبول الكبير من الجمهور الذي استقبل مغامرته الجميلة في تلك العواصم والمدن الكبيرة، وهو يستعد للتحليق بها قريباً باتجاه أميركا الشمالية.
في تلك الندوة التي قدمه فيها الصديق الموسوعي الدكتور عمر عبدالعزير، رئيس قسم الدراسات بالدائرة الثقافية في الشارقة، قال الموسيقار المغامر، إن تجربته «تنطلق من اللون الموسيقي الحضرمي الذي يتوزع إجرائياً على الساحل والداخل، وهي ثنائية ليست صفة حضرمية فقط، بل إنها حاضرة في عموم الجزيرة العربية وشرق أفريقيا، كما هو الحال على سبيل المثال في النمطين النجدي والحجازي في المملكة العربية السعودية الشقيقة».
وأجاب القحوم عن التساؤل الذي سيطر على كل من تابع التجربة، وكنت منهم، حول تقديم أنماط موسيقية رفيعة، انطلاقاً من حالة الموسيقى في العالم العربي، بأن «القواعد العامة للموسيقى واحدة في العالم، لكن إدراك جماليات الخصوصية الموسيقية والميزات النسبية لكل لون أمر مرهون بالاشتغال المعرفي والممارسي، وهذا ما توخيناه منذ البدء»، وأن «في موسيقانا مفردات كثيرة تتوارى خلف ركام الماضي السحيق، وبوسعنا استنزال المفردات الرفيعة الكامنة في أعماق التربة الفنية الخاصة نحو آفاق وعوالم غير مسبوقة».