الآن في مثل هذي الساعة من المساء وفي كل يوم. وفي كل لحظة، الشوق يزلزل قلبي في انتظار لقياك يا أخي. وفي هذا الحنين الذي يصهل في أوردتي. في هذا التوحد الذي يعصف بي. أشتاق إلى لقائك والاطمئنان على صحتك من المرض الذي سيشفيك الله منه. وأتذكر دوماً وعلى مدار سني عمري، أنك أنت من علمني القراءة والكتابة. فعندما تعود من المدرسة تغريني بقراءة الكتب التي تحضرها معك من مكتبة مدرستك. وأنت الذي أدخلتني بيت المطوعة «عائشة»، التي كانت تعلم الأطفال قراءة القرآن، فختمت قراءة القرآن في مدى شهرين، الأمر الذي أدهش المعلمة والجميع، واحتفلتم بي كعادة الاحتفال بالأطفال الذين يختمون قراءة القرآن. وحين دخلت المدرسة الابتدائية وضعوني في الصف الثاني؛ لأني كنت أحسن القراءة والكتابة بفضلك أنت يا أخي الغالي. وأتذكر أننا كنا أحياناً نجلس صامتين أونثرثر مثل عصافير المساء، على سدرة مكتظة بالنبق. ومثل جدولين منسيين في نهر يتدفق إلى جهة لا نعرفها. أو مثل نجمتين تنفلتان من مجرتهما. آهٍ كم أود الحديث معك في هذه اللحظة يا أخي. فشجرة الفل تنثر عطرها أمام غرفتي.. هذا العطر الذي يقول لي أن اقترب منك يا أخي الغالي لأقطف لك زهرات الفل وعطرها، الذي ينثر جماله على لمسة يدك. ربما لو أننا في بلد واحد أتيت إليك في مثل هذا الوقت الذي هو جلوة روحي دون أن أخشى المرض الذي يهد قدري على السفر إليك، ودون أن أخشى الحدود التي تفصل بيننا. فلي بهجة لقياك الذي لا تحده المسافات. فما الذي يجعل الآن هذه الساعات والمسافات والمطارات والحدود لحظة ممكنة؟ مرة قلت سأرسل إليك رسالة صغيرة، أوبطاقة معايدة على «الوتساب» الذي أصبح بديلاً عن اللقاء. لكنك بملامحك المبتسمة دائماً سخرت من المألوف والبطاقات. وانسحبت رافضاً تعويض اللقاء بيني وبينك بهذه الوسائل التي فرقت بيننا. الآن يتفتح في وجداني الشوق إليك، مثل زهرة الفل، فماذا أفعل بها في غيابك؟ وأنت أبعد من عطرها الذي لا أملك قطفه وأنثره عليك. هل كنت تستطيع القبض على موجة بحر تتدحرج بين قدميك في هدوء إلهي؟ لا أنا ولا أنت حين نلغي حدود الليل والنهار بتوق اللقاء والحديث، الذي يفيض في لحظة التواصل. فمتى أراك؟