الثلاثاء 14 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

حميد زناز يكشف جوانب من تعقيدات المشهد.. فرنسا وتحدي الأصولية

حميد زناز يكشف جوانب من تعقيدات المشهد.. فرنسا وتحدي الأصولية
20 يناير 2022 01:38

حوار: ساسي جبيل 

حميد زناز باحث ومترجم جزائري مقيم في فرنسا، له دراسات في مجال الفكر الإسلامي، ومهتم بظاهرة الإسلام السياسي، عمل ويعمل من أجل التصدي للمشروع الأصولي، وله إسهامات في مجال الدراسات الفلسفية، وقدم بحثاً حول «التفردُن» في فلسفة سيوران بجامعة نانسي الفرنسية. ويؤكد زناز في دراساته أن الأصولية الإسلاموية تمثل خطراً داهماً يهدد كيان العالم العربي، ولذا فإن أهم سؤال يستحق الطرح في رأيه في الوقت الراهن هو: كيف يمكن جعل العالم العربي يفصل بين الدين والسياسة ويقبل بالعلمانية؟
في هذا الحوار تحدث لنا حميد زناز عن فرنسا والإسلام ومعضلة الإسلام السياسي، وكيف استشرى كتحدٍّ في الغرب عموماً وفرنسا خصوصاً.

عن الحرية والتطرف
* منذ فترة تتعالى أصوات كثيرة منادية بمراجعة التعاطي مع الشأن الديني في فرنسا.. فهل أسهمت الحرية المتاحة في الغرب في تفشي ظاهرة التطرف الديني؟
- استغل الإسلامويون وخاصة جماعة «الإخوان المسلمين» الحرية المتاحة هنا لبث سمومهم فأسسوا جمعيات تستظل بقوانين علمانية وتحاربها بأفكار أصولية تدعو إلى تقويض الحريات باسم حرية التعبير والعقيدة! هم يستغلون الحرية لضرب الحرية نفسها. فمعظم التنظيمات الإسلاموية تتخبط في تناقضات كثيرة في نشاطها وأدبياتها، فهي تستغل القوانين الأوروبية التي تتيح لها النشاط السياسي لتقويض تلك القوانين والثوابت السياسية، وكل ذلك بحجة الدفاع عن المسلمين ومكافحة العنصرية!
ولا يعاني المسلمون هنا  أية عنصرية رسمية، إذ لا وجود للعنصرية أصلاً على مستوى مؤسسات وقوانين الجمهورية الفرنسية، وهذا لا يعني طبعاً خلو فرنسا من العنصريين، فهم موجودون كما في بقية بلدان العالم، ولكن ما أصبح ظاهرة منذ عدة سنوات هو ذلك التعبير المتزايد والمبالغ فيه عن معاناة المسلمين من العنصرية في فرنسا، حتى قد يخيّل للمراقب من بعيد أن المسلمين يتعرضون لتمييز عنصري ممنهج بسبب عرقهم ودينهم في بلد الحريات وحقوق الإنسان!
ورغم ذلك تعمل المنظمات الإسلاموية في فرنسا والمنظمات اليسارية المتطرفة على تنمية هذا الشعور بالاضطهاد الموهوم لدى المسلمين: الأولى بحثاً عن قضية وفئة شعبية للاستغلال الانتخابي. والثانية لنشر الأيديولوجيا الإسلاموية وزرع الشك في نفوس المسلمين بهدف الوقوف ضد اندماجهم في المجتمع الفرنسي وتحويلهم إلى «ضحية» أبدية لعنصرية وهمية من أجل ابتزاز السلطات الفرنسية. وربما لا يسمع كثيرون عن تلك الأحزاب الإسلاموية المتطرفة التي تنشط رسمياً في فرنسا، والتي يعتاش منها إسلامويون تحت يافطة مكافحة العنصرية والدفاع عن حقوق مسلمين هي موجودة أصلاً، وحقوق أخرى تتعارض تماماً مع قيم الجمهورية الفرنسية العلمانية.
وليس هدف الأحزاب الإسلاموية من المشاركة في الانتخابات في المقام الأول  الفوز بالمقاعد، وإنما من أجل الحصول على نسبة تفوق 1 في المئة من الأصوات في 50 دائرة انتخابية، وهو أمر يسمح للحزب بالحصول على أكثر من 1 يورو في السنة مقابل كل صوت يحصل عليه وذلك لمدة 5 سنوات.
وهكذا يمول دافعو الضرائب الفرنسيون أحزاباً إسلاموية في بلدهم تزرع الفتنة. وتحضرني هنا كلمة لشيخ الإرهاب الدولي يوسف القرضاوي موجهة إلى الغربيين «عن طريق قوانينكم الديمقراطية، سنستعمركم، وبقوانيننا الدينية سنسيطر عليكم».

فرنسا بين العلمانية والأصولية
* بماذا تفسر انتشار التطرف في فرنسا بشكل غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة وسط الجاليات المسلمة على رغم علمانية المجتمع؟
-لا يمكن فهم انتشار التطرف الديني، إذا لم نربطه ببنية المجتمع الفرنسي وتاريخه. فقبول خصوصية ثقافية ما، سواء كانت إسلامية أو غيرها، هو في نظر الفرنسيين في أغلبهم بمثابة تقويض للمجتمع المدني الديمقراطي وقوانينه الأساسية وحقه في الحرية الفردية، ولهذا لا تزال الدولة في فرنسا تؤمن بمواطنة واحدة موحدة، تجمعها قواسم مشتركة وهو ما يسمى عادة بالمجموعة الوطنية. ولذلك تطرح في فرنسا منذ أكثر من عقد من الزمن قضية الأراضي التي فقدتها الجمهورية بسبب وضعية الضواحي المأهولة من طرف أغلبية مسلمة حرضها «الإخوان» لسنوات وكانت السلطات الفرنسية غافلة عن ذلك، وقد صدر كتاب من تأليف جماعي سنة 2002، حاول فيه باحثون مناقشة التعارض الميداني بين قيم هؤلاء المستمدة من تأويلات متطرفة للدين وقيم المجتمع الفرنسي.
ومنذ سنة 2003 والسلطات الفرنسية تحاول أن تؤسس لإسلام فرنسي، أي تكوين الأئمة والمدارس ومحاولة إيجاد ممثل رسمي للإسلام الفرنسي. ولكن تبقى النتائج غير مرضية لا بالنسبة للسلطات الفرنسية ولا في تقدير المسلمين، وكل ذلك نتيجة لازدواج خطاب «الإخوان» المحرض للشبان المسلمين من جهة، والمهادن للسلطات الفرنسية لأجل الامتيازات من جهة ثانية.
وتدل التجارب الميدانية أن عملية مأسسة المسألة الدينية في أوروبا قد استحوذت على معظم الطاقات، وذلك حتى على حساب القراءة السوسيولوجية لظاهرة اندماج المسلمين في المجتمعات الأوروبية. وبسبب تغلغل «الإخوان» في الجمعيات والمساجد والمراكز الثقافية المعتمدة في فرنسا لم تستطع تلك الجمعيات والمراكز الإسلامية أن تنشئ إسلاماً فرنسياً، يتوافق مع قيم الجمهورية وعلمانيتها.
وعلى العموم، يمكن تحديد ثلاثة أسباب لظاهرة الأسلمة وصناعة التطرف في فرنسا وهي: منظمة «الإخوان المسلمين» التي تريد نشر تطرفها في العالم. واتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا ومختلف منظماته، وهو فرع تنظيم «الإخوان» المصنف إرهابياً. والسبب الثالث هو سلبية وتساهل بعض المسؤولين الفرنسيين.

العلمانية من دون تشويه
* بعد أن استحكمت جماعات الإسلام السياسي في مفاصل عدد من الدول العربية بدأ حضورها ينحسر شيئاً فشيئاً.. فهل بتنا اليوم في حاجة إلى العلمانية بديلاً؟
- كانت العلمانية وما زالت في معظم البلدان العربية والإسلامية عرضة لتشويهات كثيرة، فنتازية تارة ومحزنة في أغلب الأحيان، فكتابات وخطب «الإخوان» تحرّف الأسس الفلسفية والسياسية للكلمة لتجعل منها ذلك الغول الذي يتربّص بالإسلام وبالمسلمين، فهم ينظرون إلى العلمانية على أنها غزو ثقافي ويضعونها دوماً في خانة المتعارضات مع الإسلام، ويكفّرون من نادى بها، بل وأصبحت على ألسنة الإسلامويين شتيمة وكبيرة من الكبائر التي يلصقونها بخصومهم الديمقراطيين!
مثلاً لم يترك القرضاوي رذيلة إلا وألصقها بالعلمانية، وليس هذا فحسب بل راح يقوّل العلمانيين العرب ما لم يقولوه على الإطلاق، وراح يختلق الأقوال اختلاقاً، لا نجد لها أثراً في كتابات العلمانيين العرب والقرضاوي نفسه لم يذكر أين قرأ ومن قال؟ ولا يكتفي بالافتراء بل يمر بسهولة إلى ممارسة مهنة التكفير! وزعيم «النهضة» الإخوانية في تونس راشد الغنوشي ظل يحاول شيطنة العلمانية لعقود!
والعلمانية ليست تلحيداً للمجتمع كما يدعي «الإخوان» ولا هي إقصاء ولا معاداة للدين الإسلامي أو غيره، بل بالعكس هي التي تضمن فردية الإيمان. هي نمط تفكير سياسي واجتماعي متناسب مع شروط العصر الذي نعيش فيه. 

المناهج المتجاوَزة
* كباحث في الفلسفة والإسلام السياسي.. هل نحتاج اليوم إلى مناهج تربوية جديدة لتخريج أجيال أكثر انفتاحاً وقدرة على التواصل مع الآخر؟
- لقد عمّرت طويلاً المناهج الحالية التي صاغها «الإخوان المسلمون» أو التي اعتمدت تحت تأثيرهم وضغطهم في بعض البلدان العربية وخلقت ذهنية دينية تميل إلى التقوقع والتطرف. والأمر الأكيد أن بعض المناهج الحالية باتت متجاوَزة وغير متوافقة مع قيم العصر. وينبغي إصلاحها لتواكب التطورات الحاصلة في كل مناحي الحياة. والإصلاح التربوي في بلداننا قادم لا محالة. ويتطلب الأمر ثورة شاملة في المنظومة التربوية كاملة. 

«الإخوان» خطر جسيم على قيم الجمهورية
* هل قصّر الغرب في محاربة الظاهرة الأصولية؟
- بعض البلدان الأوروبية استقبلت على أراضيها المئات من القيادات الإسلاموية، وكانت تفعل ذلك بمنطلقات سياسية مصلحية، فسعوا لاستغلال القوانين الأوروبية العلمانية التي تستوعب الاختلافات، وتتيح ممارسة المعتقد ولا يهمها دين الفرد أو مذهبه، وذلك لتمرير أهدافهم الإيديولوجية. وبين الدوافع الأوروبية لاستقبال الإسلامويين والنوايا التي كانت تحرك هؤلاء فارق كبير، وهو ما يؤشر على وجود قصور أوروبي في فهم طبيعة الحركات الإسلاموية، ولكن بدأت بعض الدوائر الأوروبية تتنبه لذلك أخيراً بعد الاعتداءات الدموية المتكررة للمتطرفين.
طبعاً ارتكبت أخطاء فادحة في تحليل طبيعة إيديولوجية ومواقف «الإخوان المسلمين» جعلت كثيراً من الغربيين يخطئون في فهم أهدافهم المبيتة. وقد انطلت الخدعة على كثير من الأوروبيين والأميركيين بسبب الخطاب التضليلي الزائف الذي اعتمده «الإخوان» في أوروبا وأميركا منذ سنين، والذي يختلف أشد الاختلاف عن الخطاب الحقيقي الموجه لأتباعهم وللناطقين بالعربية على وجه العموم.
لقد نظم «الإخوان المسلمون» أنفسهم في شبكات شكلت ولا تزال تشكل خطراً جسيماً على قيم الجمهورية والسلم الاجتماعي. وكما قلت سابقاً مع تهاون بعض السياسيين الفرنسيين لأسباب حزبية انتخابوية، أصبحت أغلب الضواحي الفرنسية مناطق بعيدة عن قوانين الجمهورية خاضعة لزعماء عصابات المخدرات والإسلامويين.
ولكن بعدما توالت الاعتداءات الإرهابية على أوروبا، بدأت مراكز البحوث ووسائل الإعلام تكثّف الاهتمام وتدرس جماعة «الإخوان»، وسلطت الأضواء على تاريخها وشرحت خطابات ومواقف وأفعال وشخصيات ممثليها في الغرب وجمعياتها المندسّة. وصدرت دراسات وتحقيقات كثيرة كشفت الوجه الحقيقي لتلك الجماعة المقترنة بالإرهاب. لأن تاريخها الأسود وسلوكات زعمائها وأقوالهم هي حجج دامغة ضدها موثقة في أهم لغات العالم اليوم. ويبدو أن هناك يقظة فرنسية ولو أنها جاءت متأخرة.

فرنسا الحلم
* ما هي فرنسا التي تحلمون برؤيتها مستقبلاً لمواجهة خطر تفشي ثقافة التطرف؟
- أتمنى أن تجسد السلطات الفرنسية ما تقوله على أرض الواقع، في مواجهة الخطر الذي يمثله «الإخوان المسلمون» والمتطرفون عموماً، وتبدأ في تطبيق القانون، وإن استدعى الأمر تغيير بعض القوانين التي أصبحت متجاوَزة واستصدار قوانين جديدة لسد الثغرات التي يستغلها الإسلامويون. كما أتمنى أيضاً أن يستيقظ المسلمون في فرنسا ويدركوا الخطر المحدق بهم بسبب التطرف الديني الإسلاموي الذي يريد عزلهم عن المجتمع.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©