الأحد 12 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

زكي مبارك.. شغف السمر في رمضان

زكي مبارك
23 ابريل 2022 01:52

إيهاب الملاح (القاهرة)

في هذه الحلقة، نلتقي مع الدكاترة زكي مبارك، الذي اشتهر في الحياة الأدبية والفكرية في النصف الأول من القرن العشرين بلقب «الملاكم الأدبي»، أما الدكاترة زكي مبارك (1892-1952) فلأنه حصل على ثلاث درجات للدكتوراه في الأدب وتاريخه، والأخلاق عند الغزالي والتصوف الإسلامي عن ثلاث أطروحات قيمة، طبعت كلها مراراً، وهي من أشهر أعماله وأذيعها حتى وقتنا هذا، وهي «النثر الفني في القرن الرابع الهجري»، «التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق»، و«الأخلاق عند الغزالي».
أما لقب «الملاكم الأدبي»، فلأنه كان مثيراً للمعارك مواجهاً خصومه وموجهاً لهم كلماتٍ كـ«اللكمات» توجع وتؤلم وتترك أثراً لا يزول، ومن أشهر كتب زكي مبارك «وحي بغداد» الذي أفرد فيه فصلاً مبهجاً عن «الأسمار والأحاديث في ليالي رمضان»، وهذا الفصل درّة من درر الكتابة النثرية في أدبنا العربي الحديث والمعاصر، فزكي مبارك كان يتشوق إلى السمر في رمضان، لماذا؟
يجيب عن ذلك:
«إن الشوق إلى السمر في رمضان هو شوقٌ قضَت به طبيعة الحياة، لأن الناس يكادون يمسكون عن الكلام في أيام الصيام من فرط التعب والإعياء، فإذا جاء المغرب وأفطروا رجعت إليهم الحيوية، وتشوفوا إلى مطوَّل الأحاديث، فالكلام عند الإنسان هو مادته الأولى من اللهو واللعب وهو مسلاته وملهاته في أكثر الأحايين.. أضيفوا إلى هذا أن الناس يحتاجون في ليالي رمضان إلى انتظار السحور، وهم لا ينتظرونه ساكتين، وإنما يتعاونون على السهر بأطايب الأسمار والأحاديث».
وزكي مبارك لا يفارقه حسه البحثي ولا التاريخي حتى وهو يتحدث عن «الشوق إلى السمر في رمضان»، ويردنا ذلك إلى سياحة ممتعة ولطيفة في تاريخ الأدب العربي لتتبع هذه الظاهرة التي وسَمت الحياة الفكرية والثقافية لدى المسلمين طوال القرون التالية للهجرة، ويقول صاحب «البدائع»:
«ومن الحق أن نذكر أن الكلام يُستعمل أيضًا في تزجية أيام الصوم، والتاريخ يحدثنا أن علماء المسلمين كانوا يقطعون أخريات النهار بالجدل والمناظرة في الشؤون الدينية واللغوية، ومن شواهد ذلك ما حدثنا الصاحب بن عباد من أنه كان يرى العلماء يتجادلون في قصر ابن العميد بعد العصر في رمضان، فإذا اقترب المغرب انقلبوا إلى بيوتهم، وكانت هذه الحال مما ضايق ابن عباد، فنذر إن أقبلت عليه الدنيا ليحجزن العلماء إلى ما بعد الفطور، ثم قضى الحظ أن يكون وزيراً فكان العلماء يحضرون عنده بعد العصر في رمضان للجدل والمناظرة، فإذا أذَّن المؤذن مدَّت لهم الموائد فأكلوا وشربوا، ثم قضوا السهرة إن شاؤوا في السمر والحديث».
لكنه يرصد أيضاً حضوراً وظهوراً لجلسات السمر والإمتاع والمؤانسة من قبل ابن العميد وابن عباد، «فكانت المساجد تمتلئ بالناس بعد العصر في رمضان، وكان الواعظون والقصاص يلهون الناس عن متاعب الصوم بفضل ما ينثرون عليهم من العظات والأقاصيص، ولو راجعنا التاريخ لحدثنا عن شواهد ذلك من أخبار المساجد في البصرة والكوفة وبغداد».
ولا تزال هذه السُنة متبعة في الديار المصرية، يقول زكي مبارك، وكان لعلماء القاهرة سُنة مرضية، فقد كان منهم من يذهب إلى المسجد بعد السحور، ثم يحدث الناس إلى صلاة الصبح، ولهم في ذلك نوادر يضيق عن سردها هذا الحديث.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©