الخميس 9 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

المفكر العربي د. رضوان السيد لـ«الاتحاد الثقافي»: إصدار 3 مجلات محكَّمة مشروع استثنائي

د. رضوان السيد
15 يونيو 2023 01:00

أجرى الحوار: كمال عبد الحميد
«هذا المشروع غير عادي».. بهذه الكلمات يضيء المفكر العربي الكبير الدكتور رضوان السيد عميد كلية الدراسات العليا والبحث العلمي بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، على حدث إطلاق الجامعة ثلاث مجلات علمية محكَّمة؛ بهدف رصد التطوُّرات البحثية في مجال الدراسات الفلسفية والإسلامية واللغويات التطبيقية، كما يثمن في حديثه الخاص لـ«الاتحاد الثقافي» نهج الإمارات الأصيل بترسيخ قيم التسامح، والتحفيز على القراءة والتواصل الثقافي والحضاري، متناولاً أهمية الترجمة والقراءة المتبصرة، وعلاقته بعميد الأدب العربي طه حسين، عندما كان طالباً بجامعة الأزهر في الستينيات.
الدكتور رضوان السيد، مفكر ومجدد، أثرى المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات القيمة، بالإضافة إلى ترجماته الرائدة، حصل على جائزة الملك فيصل في الدراسات الإسلامية (2017)، وجائزة النيل للإبداع العربي من مصر (2021).
يبدأ الدكتور رضوان السيد حديثه قائلاً: إطلاق جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية ثلاث مجلات علمية محكَّمة هو بالفعل مشروع غير عادي، فمن المعروف أن الجامعات أو الكليات تصدر مجلات مُحكّمة تعالج جديداً بالنسبة لهيئة التدريس، ولكن المهم هو أن الأساتذة ينشرون فيها بحوثهم من أجل الترقية، وهي مفيدة من هذه الناحية، أما هدف جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية من إصدار هذه المجلات، فهو هدف مزدوج ومختلف عما هو سائد في الجامعات الأخرى، نعم هي مجلات مُحكّمة، ولكنها ذات مستوى عالمي، من حيث إنها أولاً تعرض الجديد والمتقدم في الفلسفة وفي الدارسات الإسلامية وفي مجال الدراسات اللغوية التطبيقية، وثانياً فإن كونها ذات مستوى عالمي يرجع إلى صدورها بالشراكة مع دار النشر العالمية الشهيرة «بريل Brill»، وبالتالي سيكون هناك وصول مفتوح إليها سواء ورقياً أو إلكترونياً. وهي مجلات علمية كبرى تعرض الجديد والمتقدم في مجال تخصصها، وهو مشروع صعب لكونه يركز على ألا تكون المجلات شبيهة بغيرها من المجلات المُحكّمة التقليدية، وأنها تريد أن تضع البحث العلمي العربي في الإنسانيات في مكانة عالمية، وفي هذه المجلات الثلاث المتفردة، سنقدم جديداً من جهة العرض، خصوصاً أن المجلات العربية في مجالي الدراسات الفلسفية واللغويات التطبيقية قليلة ونادرة، وفيما يتعلق بمجلة الدراسات الإسلامية فنحن نتقصد بها النهوض والتجديد والتحاور والتناقش والتجاور والتنافس مع المجلات التي تصدر في العالم الغربي في مجال العربية والدراسات الإسلامية، وإن لم تعرض مجلة الدراسات الإسلامية جديداً في الموضوعات فإنها ستعرض جديداً في المناهج؛ ولذلك قلتُ في الكلمة التي ألقيتها في حفل الإعلان عن المجلات والشراكة مع بريل (Brill)، إننا معنيون من زمن طويل بتجديد الخطاب الديني، وتأتي مجلة الدراسات الإسلامية لتشتغل على تجديد الخطاب، وتجديد مناهج البحث العلمي في تناول المسائل الإسلامية.
ويضيف د. رضوان السيد: أما مجلة اللغويات التطبيقية، فهي ذات أهمية لثلاثة أسباب، الأول لجهة ترقية اللغة العربية وأساليب تعليمها وتعريف العالم الأوسع بها، وثانياً لجهة لغة التربية والتعليم العادية، وثالثاً لجهة مشكلات الأجيال الجديدة كالتعثر اللغوي. عندنا في الوطن العربي أجيال جديدة لم تتعلم اللغة العربية في الصغر، تتحدث العامية جيداً، لكن يصعب عليهم التحدث بالعربية الفصحى أو الكتابة بها؛ لذلك «العربية التطبيقية» تتعمد اقتحام للمجال الواقعي بشتى دروبه وألوانه للاشتغال على اللغة العربية، باعتبارها لغة معاصرة من حيث الكلام والكتابة، ومن حيث التعامل بين الناس داخل المجتمعات، والتعامل مع العالم، خصوصاً أن المتحدثين باللغة العربية يزيدون عن 500 مليون شخص، وهي واحدة من لغات المؤسسات الدولية. لذلك نجد كثيراً من الإقبال عليها، ولكن لا نجد مناهج متطورة، أو أساليب لجهة التناغم مع التوجهات العالمية أو التدامج والتعلم والتربية في مجالنا الثقافي بلداناً ودولاً.
قراءات في كتب
في حديثه عن أهمية المجلات المتخصصة في مراجعة الكتب الجديدة، يؤكد الدكتور رضوان السيد على ما تقدمه هذه المجلات من معارف وخدمات جليلة في مجال الترجمات عن الثقافات الأخرى، والاطلاع على كل جديد في شتى فروع المعرفة الإنسانية، متناولاً الدور الذي تقوم به مجلة «قراءات في كتب جديدة» التي تصدرها جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية بالتعاون مع الأرشيف والمكتبة الوطنية. ويضيف: الجهد في القراءات والمراجعات أكثر من الترجمة؛ لأن الترجمة هي أن تنقل كتاباً مهماً إلى العربية، والأمر متروك للقراء في استقبال العمل، والآن -الحمد لله- في وطننا العربي، هناك معاهد ومراكز وعشرات من دور النشر تتصدى للترجمة، والمركز القومي للترجمة في مصر يقوم بدور هائل، وهناك أيضاً مشروع «كلمة» في الإمارات الذي يقوم بدور مهم في مجال الترجمة، أما مجلة «قراءات في كتب جديدة» فتقدم ملخصات ومراجعات من عشرة إلى 15 كتاباً جديداً كل شهرين، وتتم المراجعات والقراءات النقدية بعيون مختصين، وهي بذلك عملياً تقدم ترجمة ملخصة لمحتوى الكتب مع تقديم لها، وبالتالي إذا قرأت المجلة فكأنك قرأت الكتب برؤية تحليلية ونقدية. وعربياً، لدينا نهوض في الترجمة، لكن ليس لدينا مجلات متخصصة في عروض الكتب. وسوف أهتم في مجلة الدراسات الإسلامية بعرض الكتب الجديدة ومراجعتها في الصفحات الأخيرة من المجلة، لأن عروض ومراجعة الكتب مسألة مهمة للغاية.
رسالة حضارية
ينتقل الحوار إلى الدور الذي تقوم به جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، ورسالتها الحضارية في مجال ترسيخ التسامح والتعايش، وهو ما يتناوله الدكتور رضوان السيد، قائلاً: هناك طموحات كبرى تملكها الجامعة تتعلق من جهة بالتجديد الكبير باتجاه التسامح والتعايش والتواصل والتعددية والسلام، وباتجاه التقدم العلمي في الإنسانيات؛ ولذلك نشاطنا في الجامعة مزدوج، أولاً أن نصبح جامعة ذات مستوى كبير في تخصصاتها، وثانياً أن ننشر هذه الأفكار بطريقة أكاديمية، بحيث نسهم في تقدم المعرفة والبحث العلمي في المجالات التي نخوض فيها. ولديّ عدة طلاب يكتبون أطروحاتهم في التسامح والتعايش والتعددية الدينية والثقافية والتواصل الثقافي والحضاري، وكل هذه الموضوعات أصبحت مدعومة في الإمارات بقوانين ووزارات، وهذا التوجه فريد من نوعه في العالم، ففي الإمارات هناك وزارات للسعادة والتسامح والذكاء الاصطناعي، وقوانين تحمي من التمييز والازدراء، كل هذه الاهتمامات والمهام والأفكار تترك آثاراً عميقة وواسعة في ترسيخ قيم الأخوة الإنسانية والتسامح.
القراءة المتبصرة
يحمل الدكتور رضوان السيد رؤية خاصة حول القراءة المتبصرة وأهميتها، ومن خلال هذه الرؤية يتحدث عن الجهود الإماراتية البارزة في مجال التشجيع على القراءة وسن القوانين الداعمة لنشر ثقافة القراءة وجعلها أسلوب حياة، يقول: القراءة ليست دائماً حرفة، لكن مثلاً نحن نحترف القراءة لكوننا أساتذة في الجامعة؛ لذا يكون علينا الاطلاع على المقروء بشتى اللغات في تخصصاتنا وما اقترب منها، لندرس طلابنا ولنكتب أيضاً ونجدد في بحوثنا؛ وذلك لا يتم إلا بالقراءة باعتبارها حرفة، لكن القراءة باعتبارها هواية هي التي تعاني في أمرين، الأول هو مسألة الكتاب الورقي أو المجلة الورقية، وثانياً مسألة القدرة على الاطلاع على الجديد في العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تتسم بالسرعة والقصور والاجتزاء في كثير من الأحيان، حتى نحن القدامى ليس بيننا أناس مجانين بالقراءة، فما بالنا بالأجيال الجديدة؟ أنا لا أعيب على الأجيال الجديدة أنها تقرأ نصوصاً قصيرة، ولكن آخذ عليها أنها لا تقرأ على الإطلاق تقريباً، وإذا قرأت فإنها تكتفي بالخبر السريع الذي لا يمكن أن يعطي معرفة، ولذة القراءة تأتي عندما تحصل معرفة في مجال تحبه أو تحتاج إليه في حياتك الخاصة أو في حياتك العامة، يضاف إلى ذلك أن تتحول المعرفة الخاصة والمعرفة العامة إلى ما يشبه الهواية، لأن الاعتياد يؤدي إلى الهواية، وليس هناك صديق كالكتاب، وبعض الكتب هي عوالم معرفية.
ويستطرد الدكتور رضوان السيد: من بين أهداف الاستراتيجية الوطنية للقراءة في الإمارات ترسيخ مبدأ القراءة أسلوباً للحياة وممارسة يومية، والنهوض باللغة العربية قراءة واستعمالاً، وتشجيع الصغار على القراءة والاطلاع، وفي معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2023، وفي إطار توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بدعم المكتبة المدرسية وتشجيع الطلبة على القراءة تم تخصيص 10 ملايين درهم لشراء كتب ومراجع من المعرض لتوزيعها على مدارس الدولة، هذه الجهود كلها سوف تحفز على القراءة وترتقي باللغة العربية، وجعلها مجالاً للاستعمال والتفكير والكتابة، وفي الإمارات لا يقتصر الأمر على التشجيع والتحفيز على القراءة فقط، فهناك جوائز مهمة تغطي فنون الكتابة والإبداع، هذا النهج الإماراتي المستمر لابد أن يؤتي فوائده البارزة والكبرى، وهذه المعالم التي ترسمها السياسة الثقافية لدولة الإمارات سوف تستمر وتتنامى وتتعدد مجالاتها، وأنا متأكد أنها ستترك آثاراً إيجابية كبيرة، ليس على مستوى الإمارات فحسب، بل وفي المنطقة العربية كلها.
طه حسين لم يكن يخشى التجديد وكنا نزوره في بيته
يعود الدكتور رضوان السيد بذاكرته إلى سنوات دراسته بجامعة الأزهر بالقاهرة، مستعيداً بمحبة واعتزاز كبيرين معرفته بعميد الأدب العربي طه حسين، قائلاً:
عندما ذهبت للدراسة في جامعة الأزهر في مصر في الستينيات كنت ضمن مجموعة من الطلبة نحرص على زيارة عميد الأدب العربي طه حسين، وكان يسر بنا كثيراً، وكان المصريون يطلقون علينا لقب «الشوام» لأننا طلبة قادمون من سوريا ولبنان وفلسطين، وكان طه حسين مسروراً بنا كون الأزهريين أقبلوا عليه بعد طول إعراض. وكانت مؤلفاته التي تصدرها دار المعارف في طبعات أنيقة ذات شعبية بيننا، غير أن أساتذتنا في جامعة الأزهر كانوا يحبون أن نقرأ مؤلفات عباس محمود العقاد، وكنا بالفعل نقرأه ونحبه، لكنني كنت أميل إلى قراءة مؤلفات طه حسين، وعندما تقدم العمر به في السبعينيات، وكان في آخر أيامه في الإدارة الثقافية بالجامعة العربية، كنا نزوره في البيت، لقد كان أهم ما فيه هو رؤيته الطُلعة، أي الرؤية المستطلعة والفضولية والمتطلعة إلى الجديد في التأويل، فإذا رأينا كتبه في الإسلاميات سنجدها نهضوية وجديدة، وتقدم رؤية وجوانب عن الثقافة الإسلامية والشخصيات الإسلامية لم يعالجها غيره، كانت لدى طه حسين نزعة إنسانية ونهضوية، بمعنى أننا نعاني في عملنا وحياتنا لكننا ينبغي دائماً أن نكون في مسعى لتكبير إنسانيتنا وتكبير نزوعنا نحو التقدم والنهوض، هذه النزعة بارزة لديه في شيخوخته كما كانت في شبابه، وهذه أمور لم نكن نراها في كثيرين حتى من أساتذتنا. لم يكن طه حسين ولو مرة واحدة جباناً يخشى التجديد، وبعد كل هذا الزمن الطويل لا تشعر أن مؤلفاته قديمة، إنها أعمال تجذبك وتظل تغريك بالعودة إليها في كل وقت ولأكثر من مرة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©