الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

تونس من دون «الإخوان».. الإسلام بخير

فرح الشعب التونسي بإجراءات الرئيس (أ ف ب)
15 أغسطس 2021 03:17

ساسي جبيل (تونس)، عبدالله أبو ضيف (القاهرة)

«تونس من دون النهضة، والإسلام بخير».. «إذا كانت الديمقراطية التي يدافعون عنها تعني مزيداً من الفقر والمرض والتهميش فلا نريدها واتركونا مع الاستبداد فهو أفضل».. «نهاية عقد من التعفن وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتفشي الفساد».. غيض من فيض تعليقات كثيرة يرددها الشعب منذ 25 يوليو الماضي، عندما قرر الرئيس قيس سعيد التدخل بشكل حاسم لوقف ارتهان البلاد لـ«الإخوان» بتجميد البرلمان وإقالة رئيس الوزراء وتولي السلطة التنفيذية.
لكن لماذا الآن؟ وما الذي تغيّر حتى يخرج الآلاف إلى الشوارع في مهد ما يسمى ثورات «الربيع العربي»، رفضاً لحزب تحكم بمفاصل الدولة التونسية على مدى 10 سنوات؟ الجواب بسيط: «لا أحد يريد هذه الجماعة.. ومن أرادها عاد ونبذها، بسبب أكاذيبها الجلية، وبواطنها الخفية، ووعودها الفارغة التي لم تحقق سوى مصالحها الشخصية».
انتفاضة تونس، صفعة أخرى لهذه الجماعة التي أينما حلت كان الخراب، أو الفساد، أو شيء من الاثنين معجون بعقلية الهيمنة، وذهنية الإلغاء.

تونس تقول كفى..
لم يتحرك الرئيس التونسي المنتخب عام 2019، إلا استناداً إلى مسارين، الأول: حالة الشلل السياسي التي أحدثتها تدخلات وعراقيل «النهضة» الإخوانية على المستوى البرلماني والحكومي، والثاني: حالة السخط الشعبي المتنامية تجاه الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وارتفاع معدلات البطالة، وانتكاسة القطاع الصحي التي انعكست تزايداً قياسياً للإصابات والوفيات بفيروس «كورونا». فيما كانت «النهضة» منشغلة بقضاياها الداخلية التنافسية حول توزيع الأدوار ومناصب القيادة التي هيمن على رأسها راشد الغنوشي إلى حد دفع البلاد إلى الانهيار.انحرافات فساد وعنف وإفلات من العقاب مارستها «النهضة» من موقع هيمنتها على وزارتي الداخلية والعدل، وإقامتها تحالفات مشبوهة لخدمة مصالحها السياسية فقط، وإبعاد أي اتهامات عنها رغم وجود شبهات حول تورط مؤيديها في اغتيالات، أبرزها طال المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي عام 2013. لكن الرئيس قيس سعيد قرر وضع حد لهذا الانفلات منطلقاً من خطين متوازيين، بناء الفريق الحكومي القادر على إدارة المرحلة المقبلة، وبدء تحريك القضاء، استعداداً لفتح الكثير من الملفات، مع التأكيد على حماية الحقوق والحريات.

الشارع مع من؟
لكن الشارع مع من فيما يجري، لاسيما وأن الأيام الأولى من إجراءات الرئيس سعيد شهدت احتكاكاً بين مؤيدين لقراراته ومعارضين من أنصار «النهضة»؟ الجواب بعد أكثر من أسبوعين أن العدد الأكبر من التونسيين مع كل ما يضرب بقوة في قضايا الفساد والاحتيال والتهرب الضريبي واستغلال المصالح، والملاحقة قضائياً لأي متورط تحت شعار لا حصانة لأحد، وهو ما يتماشى مع خيارات الرئيس الذي يشدد على أن الإقالات ستشمل فقط كل ملاحق من العدالة، مردداً دائماً مقولة شهيرة للجنرال الفرنسي شارل ديغول «كبرت على أن أصبح دكتاتوراً».

  • فرح تونسي بإقصاء «الإخوان» (أ ف ب)
    فرح تونسي بإقصاء «الإخوان» (أ ف ب)

يقول عبد الحميد الأرقش المؤرخ الجامعي وعضو اللجنة الدائمة للثقافة العربية باليونسكو لـ«الاتحاد»: «ما جرى ويجري في تونس هذه الأيام هو بالفعل ثورة غضب عارمة للشباب في المدن والقرى كان لها شعار واحد «لا لحكم النهضة» من أجل حلّ البرلمان، اعتباراً بأن الصورة القبيحة التي أصبح عليها النظام السياسي برمته اقترنت بالنظام البرلماني المشوه الذي تتحكم به «النهضة» بالأحزاب والشخصيات السياسية.
ويضيف: «أن النهضة تتحكم بتونس منذ 10 سنوات، وعندما أجبرت على التنحي عام 2013 في زمن حكومة التكنوقراط، سرعان ما عادت لتشارك في السلطة بعد انتخابات 2014«، لافتاً إلى أنه لم يكن لحركة النهضة التي تصدرت المشهد رغم تناقص شعبيتها، وبالتالي مقاعدها في البرلمان (89 مقعداً في 2011 مقابل 53 مقعدا في 2019) من برنامج سوى التمكين من أجل تغيير النمط المجتمعي واستئصال ما تعتبره العلمانية السائدة في تونس منذ نشأة الدولة الوطنية. وكان هذا التوجه الخاطئ السبب الأصلي في فشل المشروع الإخواني. وقد أثبت المجتمع بنخبه وفئاته الواسعة مدى تمسّكه بالعقد الاجتماعي الذي ارتضاه لنفسه، المبني على مبادئ التسامح وتحرير المرأة والانفتاح على العالم.
ويرى الأرقش أن قيادة النهضة لم تستوعب أن مشروعها المضادّ لا مستقبل له في تونس، وأن عليها أن تراجع فكرها وسلوكها وبرامجها، وذلك بحكم تبعيتها وارتباطها بالتنظيم العالمي لـ«الإخوان» فراحت تراهن على ازدواجية الخطاب تارة، وعلى العنف تارة للمحافظة على نفوذها. كما عجزت عن إنتاج نخب وكفاءات قادرة على إدارة الشأن العام باقتدار في أي من ميادين الحياة، مفلسة في الثقافة والاقتصاد والسياسة، وأيضاً المجتمع، إلا من تطرف أحادي للدين تريد أن تفرضه بالقوّة والاستبداد. لافتاً إلى أن «النهضة» لم تعمل سوى على إضعاف الدولة المركزية، وتفتيت السّلطة والمؤسسات.

مصير «الإخوان»؟
عبرت حركة «النهضة» عن استعدادها للقيام بـ«تنازلات»، ودعت إلى حوار وطني، لكن ما حفظه الشارع كان تهديدها بالتحريض على الفوضى والعنف، وهو ما دفع الرئيس قيس سعيد الذي كان وجه تحذيراً شديداً لكل من يحاول اللجوء للعنف أو استعمال السلاح، إلى الرد من بوابة الشعب بالقول «لا حوار مسرطناً، ولا بد من إزالة الأدرنة»، «خبز وماء ولا عودة إلى الوراء»، وهذا يعني ألا عودة إلى الوضع السابق، وأن الشهور القليلة المقبلة تتجه لأن تشهد أفول جماعة «الإخوان» بعد أن أثبتت زيف شعاراتها وفساد قياداتها وعناصرها، منذ تحكمها في مرحلة ما بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي.
يقول الحقوقي وعضو هيئة الحقيقة والكرامة عادل المعيزي لـ«الاتحاد»: «لقد كانت عشر سنوات عجاف بسبب التفاف الإخوان على أهداف الثورة. إن مطلب الحرية والديمقراطية والمؤسسات المنتخبة واحترام السيادة وحقوق الإنسان وكرامته والمساواة التامة والفعلية بين المرأة والرجل، كانت مطلب التونسيين والتونسيات منذ القرن التاسع عشر، وقد قامت حركة التحرّر الوطني على هذه المبادئ والمطالب؛ إذ تمّ اعتماد الدستور منذ 1861، ورفع المحتجون في أكبر مسيرة ضد الاستعمار عام 1938 مطالب الحرية والكرامة والتداول السلمي للسلطة، وقد تحقّق ذلك بفضل ثورة الحرية والكرامة سنة 2011. لكن الثورة التي شهد لها العالم سرعان ما استولى عليها الإسلام السياسي بقيادة حركة النهضة فأصبحت حاضنة لأعداء الثورة والمستبدّين والفاسدين، واعتمدت سياسة القفز على القوانين وخرق استقلال القضاء وتمكين عناصرها من الوظائف العليا في الإدارة. لكن أهم إنجاز قامت به أنّها جعلت الشعب الذي تضامن معها يوماً باعتبارها ضحية يحسم قراره برفضها والتخلي عنها». لكنه أقر بأنه حتى وإن بدا أن الشعب قد تخلص من «النهضة»، فإنّه سيحتاج لوقت طويل للتخلص من الإخوان ومن الإسلام السياسي في تونس.

  • التونسيون يرفعون شعار «انتهت اللعبة» مستهدفين حركة «النهضة»  (أ ف ب)
    التونسيون يرفعون شعار «انتهت اللعبة» مستهدفين حركة «النهضة» (أ ف ب)

ويقول أستاذ التاريخ المعاصر عبد اللطيف الحنّاشي: «لن تكون النهضة كما كانت منذ 2011. هذا أكيد. ستكون أضعف»، معلّلاً ذلك بحدة الزلزال الداخلي بين من يدعم بقاء الغنوشي وتنامي شق آخر يدعوه لرحيله. بينما يرى الباحث في العلوم السياسية محمد الصحبي الخلفاوي «أن ما حدث مع الرئيس أظهر النهضة في حالة ضعف كبير، لم تعد ممسكة بخطوط اللعبة السياسية عكس ما كانت عليه في الماضي»، لكن مع إقراره أيضاً بأن «إقصاءها تماماً من المشهد صعب». 
ويعتبر فتحي الورفلي المرشح الرئاسي السابق في تونس لـ«الاتحاد» «أن المحتكر في المكسب محتكر في الخسارة، حيث مثلت خطة النهضة منذ 2011 مسماراً في نعش استمرارها الذي انتهى بداية بفشل كبير عام 2014، وبفشل أكبر في انتخابات 2019 وصولاً إلى قرارات الرئيس قيس سعيد الأخيرة بتجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الوزراء». بينما يشير المحلل السياسي التونسي جواد عبد الهادي، في تصريح لـ«الاتحاد»، إلى أن تهميش القوى السياسية كان أمراً في غاية الصعوبة على التونسيين المعروف عنهم ثقافة المشاركة، لافتاً إلى معاداة «النهضة» للجميع حتى الرئيس الذي كانوا على وفاق معه في بداية ترشحه لانتخابات الرئاسة وتوليه المسؤولية، لكن عادوا إلى التمسك برغبتهم في السيطرة على كل شيء. ويرى أن سقوط الإخوان المتوالي سيجعل من أوروبا نفسها عازمة على تنحية هذه الجماعة وبدء المطالبة بتصنيفها على أنها جماعات إرهابية.
مهمة الرئيس قيس سعيد لن تكون سهلة، فما فعلته «النهضة» على مدار عشر سنوات يحتاج الكثير من العمل لتفكيكه لاسيما المرتبط بالجهاز الأمني، وإعادة تونس إلى مسارها الديمقراطي المعتدل.. مسار تونس الخضراء.

لماذا فشلت «النهضة»
يرى المحلل التونسي أنس الشابي في تصريحه لـ«الاتحاد» أن «النهضة» فشلت في تونس لجملة من الأسباب، الأول عدم إيمان الحركة بالوطن؛ إذ تعيش اغتراباً كاملاً داخل المجتمع، والثاني عدم تمكنها من تكوين علاقة بالنخب بحيث ليس هناك بين رموزها أي مثقف أو مبدع، والثالث غياب الكفاءات بحيث ما أمسكت قطاعاً إلا دمرته، والرابع الانخراط في أجندات خارجية كتبعيتها المطلقة لأنظمة لا تحمل إلا العداوة، وتدميرها الاقتصاد، ورعاية انتشار الجمعيات التي استعملتها غطاء لتبييض الأموال.
ويقول فوزي الزياني، عضو المجلس الوطني للنقابة التونسية للفلاحين وعضو المجلس الاستراتيجي للاستثمار، إنه خلال 10 سنوات من حكم «النهضة» ذهبت التنمية وحل الخراب الاقتصادي، وخاصة في المجال الزراعي، لافتاً إلى أنه عام 2010 كانت الزراعة تساهم بـ 14 % في الناتج القومي، فيما لا تتجاوز حالياً 8 % في منحى تنازلي ينذر بالخطر، شمل أيضاً قطاع الدواجن والتربية الحيوانية، وغيرها من الإصلاح الزراعي.
ويرى الإعلامي والكاتب علي الخميلي «أنه لا يختلف معظم التونسيين أن السنوات العشر الأخيرة التي عاشتها البلاد تحت حكم «النّهضة»، كانت خانقة، إلى درجة أن تونس الخضراء، أصبحت سوداء، ولم تعد تلك البلاد الجميلة التي تغنى بها الشعراء، بسبب التراجع الذي شهدته على كل المستويات، وفي مختلف المجالات، ما جعلها تسير بخطوات عملاقة وسريعة إلى الوراء، حيث تدهورت الأوضاع الاقتصادية إلى حد كارثي».
ويقول الخميلي:«ما فعلته النهضة يتمثل في شيطنة وتكفير الجميع وخاصة من يختلف معها في الفكر الذي تحمله، الداعي إلى الكراهية والحقد وخوض المعارك السياسية الهامشية، التي تزيد في التفرقة والتمزق لنسيج المجتمع، وبالتالي فإن الإنتاج والخدمات تراجعاً وبلغ العجز المالي 11.5 % من الناتج المحلي الإجمالي عام 2020، وهو الأعلى منذ 4 عقود، كما قفزت نسبة الدّين العام إلى نحو 90 % (أكثر من 29 مليار دولار)، وباتت تونس تعيش على المعونات والمنح الخارجية، وهو ما تسبّب في تنامي البطالة وتدهور مستوى المعيشة، وكثرت الجريمة والاغتيالات وتعددت الهجمات الإرهابية.

الجمهورية الثالثة
تونس تبدو مقبلة على صفحة جديدة من تاريخها، قد تكون مدخلاً للجمهورية الثالثة، وذلك وفق دراسة جديدة أصدرها مركز «تريندز للبحوث والاستشارات» تحت عنوان «تونس بعد 25 يوليو 2021: نحو الجمهورية الثالثة»، ضمن سلسلة «اتجاهات الإسلام السياسي». وتقول الدراسة، إن مصير حركة النهضة مفتوح على سيناريوهات عدة، فإما أن تحافظ على موقعها ضمن خريطة الإسلام السياسي أيديولوجياً وتنظيمياً، وهو ما سيعمق أزمتها وعزلتها، وإما أن تُحدِث من داخلها مراجعات شكلية وتعديلات في قيادتها لتحسين صورتها، وبذلك قد تحافظ على وجودها، ولكنها ستكون حركة هامشية لا تأثير لها، وإما أن تنخرط في السياق الوطني التونسي وتحدث تحويرات عميقة وجذرية تتخلى بموجبها عن ارتباطاتها الأيديولوجية والتنظيمية الإسلاموية، وتصبح ممثلة للفئة المحافظة، سياسياً واجتماعياً.

الثقة في «النهضة» تلاشت 
دينا محمود (لندن) 

يبدو الدرس الأبرز الذي يمكن استخلاصه من تطورات تونس هو أن هذا البلد الذي طالما حاولت جماعة «الإخوان» الإرهابية تقديمه على أنه «النموذج الناجح» لما يسمى «الربيع العربي»، بات يُشكِّل حالياً، المثال الأبرز على الفشل الذريع، الذي تُمنى به هذه الجماعة في كل مرة تصل فيها إلى الحكم، رافعة شعاراتها الزائفة.
وأكد خبراء في تصريحات نشرتها صحيفة «ذا بليتز» الأسبوعية الأميركية أن الأزمات التي دفعت الرئيس التونسي قيس سعيّد لتولي مهام السلطة التنفيذية، أثبتت صحة التحذيرات التي أطلقها كثيرون من قبل، من مغبة وصول «الإخوان» إلى الحكم. وأضافوا «أن إدارة شؤون الدولة، تتطلب الاستعانة بشخصيات مهنية مستقلة تتميز بالذكاء، لا بساسة متطرفين يتاجرون بالدين، ويحاولون التظاهر بمبادئ الديمقراطية». 
وحذر الخبراء من خطورة التصريحات التي أدلى بها راشد الغنوشي زعيم «النهضة»، ولوح فيها بإمكانية أن يتدفق مهاجرون تونسيون بطريقة غير قانونية على أوروبا، إذا لم يتراجع الرئيس سعيّد عن قراراته، واعتبروا أن هذا التهديد يشكل «ابتزازاً سافراً» للغرب والمجتمع الدولي. فيما تتجاهل قيادات «النهضة» إلى الآن أن الثقة فيها وفي حركتها المتطرفة تلاشت، جراء «عقد كامل من البطالة، واتساع رقعة الفقر وتفشي الفساد، والشلل السياسي، ما جعل قرارات الرئيس، بمثابة طوق إنقاذ طال انتظاره».  وكانت تقوضت هذه الثقة في وقت سابق بفعل الأدلة التي تثبت حصول «النهضة»، قبل الانتخابات التي شهدتها تونس 2019، على تبرعات مشبوهة وأموال أجنبية مشكوك في مصادرها، استهدفت دعم محاولات الحركة للهيمنة على البرلمان، وتحديد ملامح الحكومة. ودعا الخبراء إلى اغتنام الفرصة الحالية لتقويض أي نفوذ لـ«الإخوان» وعملائها على الساحة التونسية، ودعم جهود الرئيس، الذي أظهرت القرارات الحاسمة التي اتخذها في 25 يوليو الماضي، مدى تمسكه بـ «مبادئ مؤسس الجمهورية الحبيب بورقيبة، الذي وضع تونس على طريق الحداثة والتقدم».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©