السبت 11 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

سلطنة عُمان.. ثقل إقليمي وتأثير دولي كبير

سلطنة عُمان.. ثقل إقليمي وتأثير دولي كبير
19 نوفمبر 2023 01:17

أحمد مراد (مسقط، القاهرة)

جسدت السياسة الخارجية لسلطنة عُمان على مدى الـ50 عاماً الماضية نموذجاً فريداً للعلاقات الدولية القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب، وحسن الجوار، والتعاون الدولي في شتى المجالات، ودعم الجهود الرامية إلى تحقيق السلم والأمن الدوليين، وهو ما جعل السلطنة تحظى بمكانة عالمية مرموقة، وتسهم بشكل فعال في صياغة تفاهمات محورية ومبادرات مؤثرة تتعلق بالعديد من الملفات الإقليمية والدولية. 
وتحرص سلطنة عُمان على إقامة شراكات دبلوماسية وسياسية واقتصادية مع غالبية دول العالم على أساس مبادئ الاحترام المتبادل، وتبادل المصالح المشتركة، ويمثل السلطنة بعثات دبلوماسية في أغلب دول العالم، وتستضيف على أراضيها العشرات من مقرات قنصليات وسفارات مختلف دول العالم، فضلاً عن مقرات بعض الهيئات الدولية والإقليمية.

دولة فاعلة ومؤثرة
أوضح المحلل السياسي اللبناني، أسعد بشارة، أن سلطنة عُمان تحظى بثقل إقليمي متنامي وتأثير دولي واسع، وهو ما يجعلها واحدة من أهم القوى الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط، سواء على المستوى السياسي أو الدبلوماسي أو الاقتصادي أو الثقافي.
وقال بشارة في تصريح لـ«الاتحاد»: إن سلطنة عُمان نجحت على مدى العقود الماضية في أن تحافظ على حيادها رغم وجودها في منطقة متوترة حافلة بالصراعات والخلافات، وأبقت على خطوطها مفتوحة مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية، وهو ما يجعلها دائماً وأبداً قادرة على الحديث والتواصل مع الجميع، وقادرة على صياغة تفاهمات مهمة في المنطقة، والقيام بدور فعال في جهود التهدئة كلما اندلع صراع أو توتر في المنطقة، وذلك بفضل التزامها بدور محايد ومستقل، إضافة إلى حرصها على النأي بالنفس عن الأزمات والصراعات.
وارتبطت سلطنة عُمان على مدى الخمسة عقود الماضية بـ «سياسة الحياد» التي وضع دعائمها الأولى الراحل المغفور له بإذن الله، قابوس بن سعيد، «رحمه الله» الذي تولى مقاليد الحكم في 23 يوليو 1970، وهو ما تجسد في مقولته الشهيرة: «أبتعد تماماً عن سياسة المظاهر، والأصداء الرنانة، ولا أسعى من وراء ما أعمل إلى خطف بريق، وسياستنا الخارجية تتلخص في الحياد، وعدم التدخل مطلقاً في شؤون الآخرين».
ومع تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد مقاليد الحكم في 11 يناير 2020، أعلن في خطابه الأول عن تمسكه بـ«سياسة الحياد»، معرباً عن حرصه على إقامة علاقات متوازنة مع جميع دول العالم، وذلك من منطلق إيمان السلطنة بمبادئ التعايش السلمي بين الأمم والشعوب، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، واحترام سيادة الدول، وأهمية وضرورة التعاون الدولي في مختلف المجالات، والمساهمة في حل الخلافات بالطرق السلمية.

مكانة عالمية مرموقة
وذكر المحلل السياسي اللبناني، أن سلطنة عُمان تُعد مركزاً مهماً للاتصالات والحوارات واللقاءات الإقليمية والدولية الرامية إلى حل الصراعات والخلافات بالطرق السلمية، وقد اكتسبت مكانة عالمية مرموقة عبر العديد من التجارب والخبرات في هذا الشأن.
وتابع بشارة: «إذا ما جاز التشبيه، فإن سلطنة عُمان تحتل موقعاً في المنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط يشبه الموقع الذي تحتله سويسرا، مع الفروقات بين تجربة البلدين في الحياد الإيجابي، وقد بنت السلطنة لنفسها هذا الموقع الحيوي والمحوري عبر سياسة خارجية متزنة وحكيمة جعلتها تنأى بنفسها عن الدخول في أي توترات أو خلافات مع أي طرف إقليمي أو دولي، وهو ما يؤهلها أن تلعب في المستقبل أدواراً مؤثرة إقليمياً ودولياً، لا سيما الأدوار التي تلعبها تحت مظلة منظمات المجتمع الدولي وفي مقدمتها الأمم المتحدة». وانضمت سلطنة عُمان إلى منظمة الأمم المتحدة في 7 أكتوبر 1971، وهو ما جاء متسقاً مع الرؤية التنموية التي تبناها جلالة السلطان الراحل، قابوس بن سعيد، بهدف انفتاح السلطنة على المجتمع الدولي، وعلى مدى الخمسة عقود الماضية لعبت السلطنة أدواراً مهمة ومؤثرة في أروقة المنظمة الدولية.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، انطونيو جوتيريش، قد أوضح في أكتوبر 2021 خلال الاحتفال بمرور 50 عاماً على انضمام سلطنة عُمان إلى المنظمة الدولية، أن عُمان تحتل مكانة مميزة على ساحة العالم كوسيط موثوق، وصانع سلام، وباني جسور لتعزيز الاستقرار الإقليمي، وقد نالت امتنان وتقدير المجتمع الدولي، وفي نفس الوقت هنأ عُمان على انتخابها للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة للفترة من 2022 إلى 2024.
وتعهد جلالة السلطان هيثم بن طارق في أول خطاب ألقاه عند توليه العرش بأن تواصل عُمان دورها كعضو فاعل في منظمة الأمم المتحدة، تحترم ميثاقها، وتعمل مع الدول الأعضاء على تحقيق السلم والأمن الدوليين.

شراكة خليجية عميقة
وقال المحلل السياسي الأردني: إن «السياسة الخارجية العُمانية تُبحر على الصعيد الخليجي في سياقين: الأول السياق الحدودي الخليجي، فهي الجارة للدولتين الأهم خليجياً، دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، واستطاعت برعاية القيادة الحكيمة للدولتين تحقيق وئام وشراكة عميقة، قل نظيرها في العالم».
والثاني: «مجلس التعاون الخليجي، المنظومة الإقليمية الأقوى والأكثر تماسكاً التي ترقى إلى التحالف الخليجي الساعي إلى نماء الدول الأعضاء وحماية مصالحها، وتمكينها من مواردها ومقدراتها، والسعي بها نحو ما يرقى إلى الوحدة».
وأوضح برية أن التعاون الخليجي - الخليجي شكل قوة إضافية لدوله، ومن بينها السلطنة، وجعل منها منارات حقيقية، تأخذ بتجاربها الوطنية العديد من الدول الساعية إلى الرقي والنماء. 
وأشار إلى أن السلطنة أرست على الصعيد العربي مقاربات جعلت منها قبلة للفرقاء، يتوافقون في ظلالها على ما يجمعهم، ويدفع بهم إلى تصالحات لم تكن مُمكنة دون مرتكزات السياسة الخارجية العُمانية، وهو ما يبرز في دورها من خلال جامعة الدول العربية، وغيرها من المنظمات الإقليمية العربية.
أما على الصعيد الدولي، فإن حيادية السلطنة حيال الصراعات التي يشهدها العالم، وصداقتها لجميع الدول، أهلها لتكون دولة محبوبة على المستوى العالمي، وهو ما يبرز في دور السلطنة في منظمة الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية الفرعية، مما انعكس بدوره إيجاباً على مصالح السلطنة، ووضعها محل ترحيب في مختلف المحافل. 
ولعل الشخصية الوطنية العُمانية، التوافقية والتصالحية، أسهمت أيضاً في انفتاح الآفاق أمام السياسة الخارجية للدولة، إذ يلعب المواطن العُماني دوراً مهما بوصفه سفيراً لثقافة بلاده وتقاليدها أينما حل في دول العالم، ما يجعل العُمانيين محل ترحيب واسع.

دور مؤثر
من جانبها، أوضحت الخبيرة في الشؤون الآسيوية، وأستاذة العلوم السياسية بجامعة بني سويف المصرية، الدكتورة نادية حلمي، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن السياسة الخارجية العُمانية حظيت خلال العقود الأخيرة على قدر عال من الاهتمام بالنظر لدورها البارز إقليمياً ودولياً، ومواقفها الإيجابية تجاه العديد من الملفات التي تتسم بالحساسية والتعقيد، والدور الفاعل والمؤثر لسياستها الخارجية المتوازنة والحيادية والمرنة والهادئة.
وأشارت إلى أن سلطنة عُمان تتبع استراتيجية قائمة على الحفاظ على علاقات دبلوماسية مع غالبية دول العالم، ولم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع أي بلد في العالم، وهذا يندرج في إطار الأعراف والشخصية الوطنية العُمانية التي تركز على الحاجة إلى الحفاظ على حوار سليم وعلاقات دبلوماسية مع جميع دول العالم، وتعكس هذه السياسة الخارجية حياد السلطنة وبراغماتيتها على الساحة الدولية، ومن الأمثلة البارزة على ذلك علاقة مسقط المستمرة بالدولة السورية، وأداء السلطنة دورا أكبر في مساعدة سوريا على الاندماج من جديد في المحيط الدبلوماسي العربي، وإعادة إعمار بناها التحتية المتداعية.
وتابعت: «في الوقت الذي تتزايد فيه التوترات في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن سلطنة عُمان تظل هي الدولة الوحيدة المحايدة في أي صراع، فيكون تدخلها على هيئة وسيط لحل النزاع، فقد تمكنت من أن تنأى بنفسها عن الصراعات وتتحول إلى وسيط لكل الأطراف المتصارعة». 

وئام إقليمي ودولي
ذكر الكاتب والمحلل السياسي الأردني، عدنان برية، أن سلطنة عُمان قدمت على مدى عقود طويلة أنموذجاً في السياسة والعلاقات الدولية، أسس له جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد «طيب الله ثراه»، ومضى على قواعده ومرتكزاته السلطان هيثم بن طارق، ما حقق نفاذاً مميزاً للقيادة العُمانية، وأتاح لها ترحيباً خاصاً في مختلف المحافل.
وأوضح برية في تصريح لـ«الاتحاد»، أن القيادة العُمانية أرست 5 مرتكزات للسياسة الخارجية، قوامها «حُسن الجوار»، الممتد من الجار القريب إلى البعيد، والتسامح، بما يتيح استيعاب ثقافة الآخر وقيمه، والحوار، المُفضي إلى تفاهمات تستند إلى المشتركات والمصالح، والانفتاح على العالم، المحافظ على عراقة الدولة والمستند إلى الخبرات الممتدة إلى العهد الإمبراطوري للسلطنة، وأخيراً «البرجماتية»، القائمة على الحقائق الجيوستراتيجية دون الارتهان لمواقف أيديولوجية متعصبة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©