تشغل الانتخابات الأميركية العالم كله، باعتبارها شأناً دولياً بقدر ما هي شأن أميركي محلي. ففي الثلاثاء الأول من نوفمبر وكل أربع سنوات لا صوت يعلو فوق صوت نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية الـ59، والتي تستحوذ كالعادة على اهتمام مئات الملايين من البشر، فيتابعونها عبر الفضائيات لحظة بلحظة، وتشغل الدوائر السياسية والقطاعات الاقتصادية في أنحاء العالم، والتي تضع سياساتها بناء على النتائج، خصوصاً أن أميركا لا تزال هي القوة العظمى عالمياً، والقطب الذي يحقق التوازن بالنسبة لجميع الدول، لا سيما وأن البديل عنها غير موجود على المدى المنظور.
ثمة من يتمنى استمرار المرشح «الجمهوري» ترامب، وآخر يأمل بفوز «الديمقراطي» بايدن، كون الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي»، هما المسيطران على المشهد السياسي. لكن من المؤكد أن أولويات الناخب الأميركي مختلفة تماماً عن أولويات من هم خارج الحدود، وخصوصاً في الدول العربية المنهكة أغلبيتها بأزمات «مستديمة»، فهي من أكثر الدول انشغالاً بتلك الانتخابات، كون نتائجها تؤثر تماماً على سياسات المنطقة، وفيها على الرغم من الأمور الاستراتيجية المحسومة أصلاً.
لا شك أن تطلعات المواطنين الأميركيين تنصب على القضايا المحلية بالدرجة الأولى، وعلى ما يمكن أن يتحقق لهم من مكاسب فيما يرتبط أولاً بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي وفرص العمل والضرائب وغيرها من القضايا المهمة داخلياً، التي تركز عليها برامج ووعود المرشحين، فيما لا تشكّل السياسة الخارجية بالنسبة للمنتخِبين إلا هامشاً ضئيلاً بالمقارنة مع السياسة الداخلية.
حتى نهاية العام الماضي، وإلى ما قبل انتشار وباء كورونا؛ كانت التوقعات كبيرة بإعادة انتخاب الرئيس ترامب، بعدما حقق من نجاحات ملموسة في ملفات تهم المواطن الأميركي بالمقام الأول، فتصرّف كرجل أعمال، وحاسب حلفاءه في الاتحاد الأوروبي وشركاءه في الصين، وبموجب الضرائب التي فرضها على الواردات الخارجية، حققت أميركا مئات مليارات الدولارات التي دخلت خزينتها، وهو ما أسهم بانتعاش الاقتصاد الأميركي.
لاحقاً؛ ومع وقوع حوادث قليلة وعميقة، اهتز عرش ترامب، مما أدى إلى تغير كبير في موقف الناخب الأميركي، وبالتالي ترجيح كفة بايدن عليه حسب استطلاعات الرأي العام، ومن بين تلك الحوادث؛ انتشار وباء كورونا في جميع الولايات وفتكه بحياة أكثر من 220 ألف أميركي، وتأجج قضية العنف ضد «السود» بعد مقتل جورج فلويد على يد ضابط شرطة «أبيض»، وقضية البيئة وتغير المناخ، وغير ذلك.
ومع ذلك، قد تكون تلك الاستطلاعات خادعة كما حدث في انتخابات 2016. فقد فازت هيلاري كلينتون على خصمها ترامب بفارق 3 ملايين صوت تقريباً، نظراً لحصولها على أصوات كثيرة في الولايات ذات التوجه «الديمقراطي» مثل نيويورك وكاليفورنيا، لكن النتائج النهائية قادت إلى فوز ترامب، إثر حصوله على أعلى أصوات المجمع الانتخابي. وحسب قانون الانتخابات الأميركي، فإن الرئيس لا يُنتخب مباشرة، إنما تتم العملية الانتخابية عبر المجمع الانتخابي، فتحصل كل ولاية على عدد معين من أصوات المجمع وفق عدد سكانها، ومن أصل 538 صوتاً على المرشح، كي يفوز الاستحواذ على 270 صوتاً وأكثر، وهو ما تمكّن ترامب من تحقيقه في الدورة الماضية، بحصوله على 304 أصوات مقابل 227 صوتاً لهيلاري.
اليوم، تؤكد الأرقام تقدم بايدن على ترامب في الولايات المتأرجحة، والتي ستحسم الانتخابات، فولاية ميشيغان - سبق وفاز بها ترامب - يتقدم فيها بايدن، والأمر نفسه يتكرر في ولايات ويسكونسين وبنسلفانيا، وبنسب أقل في فلوريدا ونورث كارولينا وأريزونا. أما في أيوا وأوهايو فالفارق ضئيل بين المرشحَّين، مع العلم أن ترامب كان قد فاز بأغلبية أصواتهما في الدورة السابقة، وبالتالي إنْ فاز «بايدن» بثلاث ولايات فقط، أي ويسكونسين وبنسلفانيا وميشيغان بالإضافة للولايات التي فازت بها هيلاري عام 2016؛ فإنه سيضمن وصوله إلى البيت الأبيض، لا بل وسيتقدم على خصمه بفارق كبير. وبالرغم من كل ذلك قد يفوز ترامب الذي أعلن أنه (سيقبل نتائج انتخابات حرة ونزيهة).