يعد العفو من القيم الراسخة في مجتمع دولة الإمارات، المبني على المبادئ الإسلامية والعربية الأصيلة، وتتسم السياسة الإماراتية بالطابع الإنساني الغالب، ما يجعل من قيمة العفو سمة جوهرية لهذه السياسة. ومن هذا المنطلق يتم تسيير شؤون الدولة ومؤسساتها، بما في ذلك المنشآت الإصلاحية والعقابية التي تحظى كغيرها من المؤسسات باهتمام كبير، من قبل صانع القرار في الدولة. ولا يخفى على الجميع أن هذه المنشآت حريصة على احترام حقوق الإنسان، وهي بمنزلة مرافق لإعادة التأهيل، تطبق فيها الدولة قواعد نموذجية لمعاملة السجناء، وتخضع تلك المنشآت لزيارات عشوائية متواصلة من قبل إدارات حقوق الإنسان والمدّعين العامين، حتى تكون هناك إجراءات تفقدية دائمة للسجون، وإجراء مقابلات خاصة مع السجناء. ويتمتع السجناء بحقوقهم الكاملة في إعادة التأهيل، والرعاية الطبية، والتغذية، والاتصال بأسرهم ومحاميهم.
وبالنظر إلى الدور الكبير الذي توليه القيادة الرشيدة للنزلاء والمسجونين ورعايتهم، كجزء من المجتمع، حتى وإن انحرفوا عن الطريق القويم، فقد أمر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بالإفراج عن 628 سجيناً ممن صدرت بحقهم أحكام في قضايا مختلفة، وتكفّل سموه بتسديد الغرامات المالية التي ترتبت عليهم تنفيذاً لتلك الأحكام، وذلك بمناسبة اليوم الوطني الـ49. وتأتي هذه اللفتة الكريمة من قبل قائد مسيرة الوطن، في إطار المبادرات الإنسانية لدولة الإمارات التي تستند إلى قيم العفو والتسامح، ومنح المفرج عنهم فرصة التغيير نحو الأفضل، والبدء من جديد بالمشاركة الإيجابية في الحياة بالشكل الذي ينعكس على أسرهم ومجتمعهم. ما يعكس حرص سموه على منح السجناء الفرصة ليكونوا أشخاصاً أسوياء وليلتئم شملهم مع عائلاتهم. ويؤكد أمر سموه إحساساً عميقاً بأهمية أن يتمتع الإنسان بحريته وأن تظل أبواب العودة مفتوحة والتراجع عن الأخطاء والاستفادة من الدروس والعبر التي مر بها السجناء خلال الفترة الماضية وسبيلاً إلى الاستقامة في حياتهم. 
ولا شك أن هذه المبادرة الكريمة سترسخ في نفوس المفرج عنهم آثاراً إيجابية تفتح لهم أبواب التفاؤل بالمستقبل وتخلق فيهم دافعاً لتقويم سلوكهم والعودة إلى سواء السبيل، بالإضافة إلى ما تشكله من حافز لغيرهم من النزلاء للاقتداء بهم لنيل مثل هذا العفو مستقبلاً، كما ستدفع هذه المكرمة المفرج عنهم إلى بذل قصارى جهدهم للانضمام من جديد إلى مسيرة التنمية في المجتمع وبناء وتطوير حياتهم والتوجه بها نحو مستقبل أفضل بما يعود عليهم وذويهم بالخير والنفع.
وفي ظل اهتمام القيادة الرشيدة بتأهيل النزلاء في المنشآت الإصلاحية ورعايتهم، تقوم المؤسسات الحكومية المعنية بدور فاعل في المساهمة بشكل أو بآخر في تقديم العون للنزلاء والمساجين، حيث تحرص وزارة الداخلية على استثمار أخلاق الإماراتيين الحميدة من خلال إلحاق العاملين منهم في المؤسسات العقابية والإصلاحية بدورات تدريبية متقدمة، لتنمية مهاراتهم وحسهم الإنساني الفطري ليصبح ديدن عملهم وبرامجهم خلال تعاملهم مع النزلاء. وهو ما شكّل حقيقة راسخة لدى القائمين على المؤسسات العقابية والإصلاحية في دولة الإمارات، مفادها أن التأهيل والإصلاح هما العنوان الرئيسي والمحور الأساسي الذي تنتهجه وزارة الداخلية في تعاملها مع النزلاء والمساجين وفق برامج عديدة، عنوانها الأبرز إعادة النزيل عضواً فاعلاً مفيداً لنفسه ولمجتمعه. 
إن هذا القرار ليس بغريب على قيادتنا الرشيدة التي تعمل باستمرار على تعزيز ثقافة التسامح محليّاً وإقليميّاً، ومن خلال هذا القرار يستلهم أفراد المجتمع عامةً ثقافة العفو عن الآخرين ما يشكل الألفة والتلاحم بين أبناء المجتمع الواحد. ويعكس هذا القرار بقيمته الإنسانية الكبيرة الصفات الحميدة لصاحب السمو، رئيس الدولة، حفظه الله، والتي استمدها من المدرسة الأخلاقية للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، هذه المدرسة التي تتجلى فيها بذور الخير والرحمة وقيم العفو والتسامح والسلام.

* عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.