مع دخول فيروس «كورونا» المسبب لمرض «كوفيد-19» سنته الثانية، يسير الاقتصاد العالمي على طريق الخسائر الكبيرة، وقد بدأت تظهر تداعياته نحو تغيير وجه العالم، من خلال مواكبة تأثيراته المدمرة في زوايا الكرة الأرضية، وإن ببعض التفاوت بين منطقة وأخرى. وفي ظل اتساع نطاق التوترات «الجيوسياسية»، واحتدام الحروب التجارية، وما يرافقها من عقوبات وقيود على حركة تنقل الأموال والاستثمارات، خصوصاً بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، وحتى روسيا، إضافة إلى تداعيات الأزمة المالية العالمية.. يعود الاهتمام بشكل كبير إلى دور الأقاليم التجارية وتأثير التكتلات «العملاقة» في الصراع القائم، حتى أصبحت اللاعب الرئيس على الساحة الدولية. 
وإذا كانت تداعيات «الجائحة» سينتج عنها تراجعاً نسبياً للولايات المتحدة في السنوات المقبلة، بما يؤدي إلى تآكل النظام العالمي الليبرالي، فإن الثنائية القطبية (كما الأحادية) لن تعود كما كانت مع صمود اقتصاديات مناطق عدة، لا سيما اقتصاديات دول آسيا. ومن هنا جاءت الخطوة الأولى للرئيس الأميركي جو بايدن بالانخراط في «دبلوماسية اللقاحات» مع الهند، لمواجهة الصين التي تواصل زيادة هباتها «اللقاحية» إلى دول العالم، وخصوصاً جنوب شرقي آسيا. وأطلق بايدن خلال أول قمة رباعية لمجموعة «كودا» انعقدت افتراضياً في 12 مارس الحالي، وجمعته مع قادة أستراليا والهند واليابان، مبادرة مشتركة لإنتاج مليار جرعة من اللقاحات المضادة لـ«كورونا» في الهند بحلول 2022، ستُقدم إلى دول جنوب شرق آسيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ. ووصفت الإدارة الأميركية هذه الخطوة بأنها «أكبر تحد جيوسياسي في القرن الحادي والعشرين». 
ومع ازدياد عدد الاتفاقيات الإقليمية الذي تجاوز 253 اتفاقية، تبرز أهمية التأثير المتصاعد لمجموعات الأقاليم العملاقة، وأهمها: اتفاقية الشراكة العابرة للباسيفيك المعروفة بـ«TPP»، وتضم 12 دولة (الولايات المتحدة، كندا، المكسيك، تشيلي، البيرو، أستراليا، اليابان، نيوزيلاندا، بروناي، ماليزيا، سنغافورة، وفيتنام)، وتعتبر الأولى عالمياً لجهة حصتها في المخزون العالمي للاستثمارات الخارجية المباشرة. وسبق للرئيس أوباما أن سجل انتصاراً في يوليو 2015، وقبل نهاية ولايته الثانية، بحصوله على قرار من مجلس الشيوخ، بتوقيع هذه الاتفاقية. ورغم أن السبب المعلن لاختيار الدول الأعضاء هو وجودها على جانبي المحيط الهادئ في كل من آسيا وأميركا، إلا أن السبب الحقيقي هو محاولة قطع الطريق على الصين، ومنعها من الاستحواذ على الجزء الأكبر من التجارة الحرة مع هذه الدول، والتي تمثل سوقاً يبلغ حجم مستهلكيه 770 مليون نسمة، ويمثل اقتصاده 40% من إجمالي الناتج العالمي، وأكثر من ثلث حجم التجارة العالمية.
وفي المقابل، يبرز تكتل دول «البريكس» المكون من خمس دول (روسيا، الصين، الهند، البرازيل، وجنوب إفريقيا) والذي يمثل نحو 53% من سكان العالم، ولديه احتياطات نقدية بنحو 4 تريليونات دولار. إضافة إلى بنك التنمية الذي أسسته المجموعة، كبديل ومنافس لصندوق النقد والبنك الدوليين اللذين تهيمن عليهما الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة.
لكن اللافت في الصراع القائم بين التكتلين العملاقين، أهمية دور الهند التي تستجيب للتعاون مع مجموعة «كودا» بقيادة واشنطن في المحيطين الهندي والهادئ، وهي أحد الأعمدة الثلاثة الرئيسة في تكتل «البريكس» مع روسيا والصين، فضلاً عن أن اقتصادها الذي سجل انكماشاً بنسبة 7.5% السنة المالية المنتهية، وتتوقع أن يسجل نمواً قوياً بنسبة 11% في السنة الجديدة التي تبدأ في ابريل المقبل، وهو مرشح لاحتلال المرتبة الثانية في لائحة أكبر اقتصادات العالم، بعد الاقتصاد الصيني، في حال صدقت تقارير دولية، تتوقع الإطاحة بالاقتصاد الأميركي إلى المرتبة الثالثة. 

*كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية