لا يمكن لنا أن نمر مرور الكرام على سيرة وحياة رجل بحجم حمدان بن راشد آل مكتوم رحمه الله في ثراء عطائه، ولا أعني هنا المال الذي يذهب إليه الناس مباشرة. فالثراء في معدنه وقيمه ومبادئه لا يقاس بالماديات. كان له منهجه الخاص في صناعة الخير المستدام في مختلف المجتمعات التي غرس فيها بذور أنواع كثيرة من فسائل الخير المؤسسي. امتلك الشيخ حمدان مَلَكة «فقه الأولويات» في المجال الخيري، بحيث أدرك حاجة الناس الفعلية إلى المساعدات في مجالات مهمة بعيداً عن الأيادي المتسولة حفاظاً على مياه وجوههم من ساعة المواجهة ب «أعطوه أو منعوه». فمفهوم الخير عنده هو ما يتعدى أثره إلى الآخرين، ولا يقف نفعه عند الفرد وحده، وإنْ كان في ظرف حاجة.
تخطت نظرته لعمل الخير، طريقة العمل لدى الجمعيات الخيرية التقليدية، وهي مهمة في التعامل مع الحالات الإنسانية الفردية، أما مع المجتمعات ككتلة واحدة، فالأمر مختلف نوعاً وكماً. حمدان رحمه الله، كان لديه الذكاء الاجتماعي في اختياره لأهدافه الخيِّرة، ففي مجال الطب مثلا يرعى «كراسي علمية» ومراكز بحثية في التخصصات الدقيقة، والتي تحتاج إلى تمويل متواصل، لأن اكتشافاته واختراعاته تخدم قطاعاً عريضاً من البشر في مختلف دول العالم.
ففي مجال العلم والتعلم والتعليم، يرفض الاستماع إلى المعلومة الناقصة أو المعرفة التي تسلق سلقا، وعلى الرتم السريع، فالقرآن كان رائده في ذلك، فلا يقبل الوقوف عند الآية «فويل للمصلين ..»، فلا بد من معرفة صنف المصلين الذين يستحقون الويل وإلا وقع الفأس على رأس كل مصلي، «الذين هم عن صلاتهم ساهون والذين يراؤون ويمنعون الماعون»، فلا بد إذا من استكمال الصورة الشاملة للعلم وإلا وقع الناس في جهل ما هو في حكم البدهيات.
حدثنا رحمه الله في هذا الشأن قائلاً: زارني عالِم في الدين وبين يديه مجلدات ضخمة، فأجلسته بقربي وهو يطلعني على بعض المسائل الشرعية في الحلال والحرام، ويقرأ لي بعض سطور من تلك الكتب، ثم توقف عند الحرام لم يكمل، وأنا عيني على السطور التي بعدها، فقلت له لماذا لم تكمل القراءة ففيها استثناء من الحرمة في بعض الحالات. فإذا أردت أن تعلم فلا تقف عند الآية «ولا تقربوا الصلاة»، ثم تغلق الكتاب، حتى تتبين تكملة الآية بعبارة «وأنتم سكارى».
وتحدث مرة عن ممارسته رياضة «الدراجة الهوائية»، في قصره وأشار إلى أنه يقطع أثناء ممارسته لها 14 كم في المرة الواحدة.
وقد تحمس أحد الحضور وقال: طويل العمر، أنا أمشي في اليوم كذا ساعة، فاستوقفته العبارة، ثم استدرك عليه سائلاً: كم عمرك، فذكر عمره له ولم يكن في عداد الشباب، فقال: لكل عمر نسبة مقدرة للرياضة المفيدة للجسم، فالحماس في الممارسة لا يكفي. فالوعي بما يناسب كل شخص أهم لدوام العافية، فكلما تقدم الإنسان في العمر، فلا بد أن تقل عليه ساعات ممارسة الرياضة في أي مجال، فما بعد الخمسين يكفي للإنسان أن يمارس يومياً رياضة المشي من 20-30 دقيقة، فإذا زاد عن ذلك فإنه يحسب عليه بالسالب كلما كبُر، أي بمعنى أنه لا يطيق ممارسة الرياضة ولو في 20 دقيقة.
هذه المعادلة في مجال الرياضة، لن تجدها دائماً مسطرة في بطون الكتب، بل مجربة لدى أهل الوعي والمقدرة المُقدَّرة بميزان الحياة العامرة بالإيجابيات، لأنه منهج لتوفير الصحة في مستقبل العمر.