بالنسبة لشخص خَبِرَ السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة جيداً نظرياً وتطبيقياً من خلال أمرين هما تدريسها لطلاب الجامعة والاشتغال في السلك الدبلوماسي، يُعتبر الحديث عنها من خلال الاحتفاء بالعام الخمسين لقيام الدولة الاتحادية أمراً في غاية الأهمية، فالسياسة الخارجية للإمارات بحر عميق يتوجب على من يشاء الخوض فيه أن يكون ملماً بمحددات معينة تمكنه من الحديث حول الأمر.

والواقع أنه منذ قيام الدولة الاتحادية عام 1971 صدرت مجموعة من الكتابات «العلمية» التي تناقش الموضوع إما جزئياً أو كلياً، لكن برغم أن الأعمال التي صدرت تناقش جوانب حيوية من سياسة دولة الإمارات الخارجية وعلاقاتها الدولية، وتعتمد على مزج واضح بين المناهج النظرية التي قدمت للقارئ مادة وافرة ومفيدة، إلا أنها جميعاً أخذت منحى أولياً في انطلاقة الفرضيات، ومن ثم، فإن العديد من التحليلات لم تلامس الواقع العملي للقضايا التي قامت بمناقشتها، خاصة في مجال صنع السياسة، واتخاذ القرار، والجهة الفعلية التي تقوم بذلك. هذه الملاحظة لا يجب أن تؤخذ بأنها تنطلق من فراغ أو تدور في فراغ وتأتي، وهي يراد بها النقد بحد ذاته متناسين البيئة التي أجريت فيها تلك الدراسات، كما ولا يجب أن يحدث خلط بين ما تقدمه للقارئ من قيمة معرفية وعلمية يعتد بها وبين تعريف وفحص محتوى القوانين والتشريعات والتنظيمات الموجودة، ويدور ضمنها فلك السياسة الخارجية.

لذلك فإنه عوضاً عن الاعتماد على قاعدة معلومات واسعة من الملاحظات الشخصية، فإن مناقشة وتأطير الممارسات التي تتعلق بالعمليات الكلية الكبرى التي تربط بين علم السياسة المعاصر وشؤون دولة الإمارات على الصعيدين الداخلي والخارجي كتشكل الدولة الاتحادية وعقد الاتفاقية الاتحادية وإقرار الدستور الاتحادي وصنع السياسة الخارجية، وصيرورة دولة الإمارات وطناً له مقومات الدولة الوطنية الحديثة، تحتاج إلى أسلوب ذي محتوى أصيل له أبعاد منهجية خاصة به، لم تدرس بعد بالشكل المطلوب.

وهنا يأتي دور الانتماء المدرسي الذي لم يتضح في جميع الأعمال التي قمنا بمراجعتها حول الموضوع. إن جميع الأعمال التي قمنا بالاطلاع عليها تتبع نفس المسلك المنهجي الوضعي الذي سار عليه كثيرون، فجاءت نتائج ما ورد فيها تكراراً لما قام به الجميع، واللاحقون قاموا بتقليد السابقين دون إضافات فعلية جديدة تتخطى المراحل الأولى التي وضعت فيها السياسة الخارجية لدولة الإمارات عند تأسيسها. وهذا عيب جوهري يجعل تلك الأعمال تتسم بالتكرار والرتابة والجمود.

إن دولة الإمارات تطورت كثيراً على جميع الصعد وبشكل سريع، في نفس الوقت الذي يشهد فيه العالم والمنطقة العربية وجوارها الجغرافي، والعديد من الدول شرقاً وغرباً تغيرات وأحداث جساماً لا بد وأن تكون قد طالت السياسة الخارجية لدولة الإمارات ولو في بعض أوجهها.

والمقصود من الإشارة إلى الانتماء المدرسي والمسلك المنهجي هو القول بأن دراسة التغير الحاصل يتصف بأحداث خاصة أو حالات بارزة يجب أن تعتمد على الجمع المنظم لملاحظات نمطية من مجريات ومواقف ومناطق عدة وفترات زمنية ممتدة أكثر من الاعتماد على الأعمال التجربية - التطبيقية التي يتم من خلالها إسقاط الدراسات على حالات محددة لدول بعينها.

نخلص من ذلك إلى أنه قبل الشروع في الحديث عن إنجازات السياسة الخارجية لدولة الإمارات منذ قيام الدولة الاتحادية، فإن من الضروري تحديد المناهج والأنماط التي يعتمد استخدامها للقيام بذلك. وكخطوة أولى يمكن القيام باستخدام أمثلة تطبيقية لأغراض تصويرية من أجل تعضيد مصداقية النتائج التي يتم التوصل إليها وتطوير إدراك القارئ بالأنماط والتفاعلات العامة الدائرة.

هذه التقاطعات المنهجية تقع بين الفترات الأكثر استقراراً التي يختارها الباحثون تقليدياً كقضايا لتسليط الضوء على أبحاثهم، لذلك، فإن ما سنقوم به في سلسلة المقالات التي سنتحدث فيها عن إنجازات السياسة الخارجية لدولة الإمارات في السنوات الأخيرة ستعتمد على حس نقوم فيه بالتوظيف العملي للمنهجية في إطار من تجارب الإنجاز الباهر. وللحديث صلة.

* كاتب إماراتي