«التكنولوجيا سلاح ذو حدين».. جملةٌ فقدت معناها لكثرة استخدامها، لكنّ مغزاها يتجلّى، يومًا تلو الآخر، في نمط حياةٍ يستنشق التكنولوجيا، ويعتمد عليها من الفجر إلى النجر. حدّان إذًا.. حدٌّ نهض بأمة فبزغت من غياهب العجز والنسيان، أو سندَ أخرى في الارتقاء والارتفاع إلى سماء الشموخ والتقدم.

أمّا الحد الآخر، الذي ما لبث حكيم أو خبير إلا وحذّر منه، فهنا تحشد الأمم مواردها وجيوشها الذكية لتحمي شعبها من الوقوع في براثنه. الحكمة وراء الجملة، وإذا فاتت قادةً وشعوبًا عدة، فإنها لم تمضِ مرور الكرام أمام القيادة الرشيدة لدولة الإمارات العربية المتحدة، فأعينها ساهرةٌ لحماية شعبها من الحد السلبي للعالم الرقمي، وإجراءاتها متتالية لضمان الأمن السيبراني. تكنولوجيا «التزييف العميق» تقنية اجتاحت عالمنا لتتيح للمستخدم صنع فيديوهات مزيّفة، عبر دمج مجموعة صور ومقاطع فيديو وتسجيلات صوتية، لإنتاج مادة مصوّرة جديدة، يُنسب للشخص فيها كلام لم يقله أو تصرفات لم يقم بها.

في المقابل، للتقنية إمكانات إبداعية وقدرات من شأنها تحقيق اختراقات عديدة، كإعادة إحياء شخصيات تاريخية. ولكنّ الأعوام القليلة الماضية شهدت اختراقات تقنية عظيمة في خوارزميات التعلم الآلي ومعالجة اللغات الطبيعيّة والرؤية الحاسوبية، ما أدى إلى حدوث طفرة في إنتاج محتوى «التزييف العميق»، بدءًا من استبدال وجه بوجه، وصولًا إلى فيديوهات مزيّفة يصعب كشفها.

التقنية أثارت قلقًا عارمًا، إذ باتت تُستخدم لإثارة القلاقل. في ظل تنامي مشكلة انتشار المعلومات المضلّلة عبر الإنترنت بشكل عام، ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص، فإن تقنية «التزييف العميق» تُمثّل وسيلة قوية بأيدي الجهات الخبيثة للتأثير في الرأي العام.

ومن هنا، أطلق البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي «دليل التزييف العميق» ضمن مبادرات مجلس جودة الحياة الرقمية الذي يرأسه الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، لتعزيز الوعي المجتمعي باستخدامات تكنولوجيا «التزييف العميق»، ومدى تأثيرها في جودة حياة الأفراد، فضلًا عن تعريفهم بسبل حماية أنفسهم من التداعيات الناجمة عن الاستخدام غير الصحيح لهذه التكنولوجيا الحديثة. وبهذه الإجراءات، تكون دولة الإمارات، كما عهدناها، سبّاقة في حماية شعبها من الحدّ السلبي لتكنولوجيا «التزييف العميق»، والتركيز على الاستخدامات الإيجابية والمفيدة لمختلف التقنيات المتطورة، وتوظيفها للإسهام في ضمان بيئة آمنة ومريحة لأجيال اليوم والمستقبل.

* عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.