من المعلوم أن السيولة النقدية تعد محركاً قوياً لحركة الحياة في شتى مجالاتها، إذ تسهم بصورة مباشرة في تقدمها أو تراجعها الذي قد يؤدي لاضمحلالها وانعدام أثرها. وفي خضم الأزمة الصحية الحالية، ارتفعت أسهم قضايا النقد والعملات بوتيرة أعلى وأكثر حدة، لاسيما أن جائحة «كوفيد-19» ضربت الاقتصاد في العمق، لتشهد بعضُ القطاعات أرباحاً لم تتوقعها وتُمحَق أُخرى تحت الأرض.
وتعتبر معظم المشاكل الاقتصادية تراكمية وليست وليدة برهة زمنية وجيزة، إذ لا تنفصل عن آخر عثرة سبقتها في ذات المجال، والأمر سيان فيما يتوالد للعالم من تحديات مشتركة كبرى. وفي اقتصاد المال والعملات، فإن سياسة النقد العالمية والخطط الاستراتيجية للبنوك المركزية تعيش وسط عدة تحديات إزاء ثورة العملة النقدية، الأمر الذي طرح العديد من التساؤلات حول إمكانية سيطرة البنوك المركزية على هذه الأزمة، خاصة أنها لا تتوقف على الهيئة النقدية، وطرق تبادلاتها واستخداماتها، بل تتعدى ذلك محدِثةً ضغوطاً تنافسية ومخاطر متعلقة بالاحتكار وغيره. 
وحتى تتسنى حماية ورقة النقد وتأمين نجاتها، وسط قوة الدفع لسيل العملات الورقية الائتمانية، لا بد من اتخاذ العديد من الإجراءات، ذلك أن أفضل استجابة يمكن أن تتخذها البنوك المركزية، كرد فعل منسجم على ما يجري، إنما تكون من خلال مواصلة تطبيق سياسة نقدية محكمة وقادرة على مجابهة تداعيات الأفكار المبتكرة والمتطورة باستدامة. هذا إضافةً إلى صناعة سياسة نقدية تستلهم أدواتها من التكنولوجيا، وبالتالي القدرة على تحقيق الأهداف المتوخاة للبنوك المركزية. وهو ذات الرأي المشار إليه من قبل المدير العام لصندوق النقد الدولي، السيدة كريستين لاغارد. كما تُطرح في هذا السياق فرصة ثمينة لإدماج وتناغم نظم البنوك المركزية مع العالم الرقمي، باعتبارها جزءاً من الحل، وفي ذات الوقت سبيلَ اندماج ومطاوعة لمتطلبات الواقع. 
وفي ظل التسارع في التحديثات المتعلقة بسياسة النقد العالمي، يطرح السؤال ذاته فيما يتعلق بقيمة الدولار الذي فرض هيبته على مستوى العالم، وإن تضررت تلك الهيبة جزئياً في ظل الظروف الحالية، كما حصل في عام 2008 (الأزمة المالية وأزمة الرهن العقاري)، ومع ما يشهده العالم من تقلبات مستجدة منذ بداية جائحة كورونا، وانتقال معظم القطاعات من الاستعانة بعجلات الرتابة والتقليد، للصعود على صهوة الرقمنة، واستخدام وسائل التكنولوجيا المريحة والسهلة.. فهل سيتداخل ذلك حتى في العملة المستعملة، وتدخل السياسة النقدية من عنق زجاجة إلكترونية، تؤول لولادة عملة رقمية جديدة ومتعددة الأوجه، تناسب بمرونتها متطلبات احتواء «مضمار سوق العملات»؟ 
إن الأزمة التي تتحدى السياسات النقدية العالمية، تتطلب تدخل الإدارة السياسية في الدول، من خلال فرض أطر تنظيمية تسمح بتدفق تنافس عادل، في بيئة نقدية خالية من غسل الأموال، تحافظ على قواعد حماية المستهلك، وتحد من تسريب المال لجماعات الإرهاب. 

وقد ذكر «آل جور»، نائب الرئيس الأميركي السابق، في تصريح له عن ذات الموضوع: «عندما يتم تحويل عملة البيتكوين من عملة إلى نقد، يجب أن تظل هذه الواجهة خاضعة لبعض الضمانات التنظيمية»، إذ اعتبرها خطوة معيقة للتنظيم الحكومي، والرقابة الرسمية، لكنه في الوقت ذاته أشار إلى «وجود خوارزمية في عالم البيتكوين تحل محل وظيفة الحكومة، وهذا في الواقع رائع جداً».
وعليه، فإن العملات الرقمية المتعاظمة السيطرة، مثل «البيتكوين» و«الريبل» و«إيثريوم» و«اللايتكوين»، مهيأة لمد السيطرة والنفوذ النقدي، وبخاصة بعد الإقبال العريض عليها منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، والتي كان من نتاجها ظهور عملة البيتكوين. 

أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة