في صحبة المغفور له الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم رحمه الله، وميض من نور قبسات عراك الحياة، وعرق الكدح المتواصل وغبار أقدام الخيول في ميادين السباق المحلية والإقليمية والعالمية، يصعب البدء لكن لا بد منه، حتى تتضح سجايا هذا الإنسان، الذي صمته أبلغ من كلامه، وحديثه من وحي فعاله.
بادر الحديث بين يديه، أحد رجال الأعمال قائلاً: رحم الله الوالد الشيخ راشد، فلولا دعمه لنا في فترة التأسيس لما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن من فضل عظيم وخير عميم، كانت الخطوة الأولى من راشد الذي منحنا 24 محلاً نؤسس من خلالها باكورة أعمالنا التجارية التي توسعت من خلال ذلك العون المعتبر.
هذا القبس من آل مكتوم الأكرام، لم يعلق عليه حمدان ببنت شفة، فقد أدار دفة الحديث بعيداً عن التركيز على مآثر والده، فمن يتعامل معه، لا بد وأن يكون له القدرة على التقاط جواهر كلامه.
لقد التف حوله كوكبة من الرجال على قدر المسؤولية والوعي، وقد تحدث في يوم آخر عن فاكهة في غير موسمها المحلي، فالتقط أحد الحضور رأس الخيط، فقال: «موجودة طال عمرك في المغرب، ولم تمض ثوان إلا وقد هاتف من يأت بها في اليوم التالي».
وطلب سموه مرة التحدث هاتفياً مع رجل تذكر اسمه في اللحظة، فبادر أحدهم الاتصال به بلمح البصر، فناول هاتفه الشيخ حمدان.
لقد كان من حوله رجالاً لا يتوانون عن خدمته، قبل الأمر والطلب، فيشد بهم ظهره، ويعتمد عليهم في النائبات.
في إحدى أسفاره، وهو على متن الطائرة، وحان وقت تناول بعض الأدوية، فتذكر بأنه نسيها في البيت، فأمر قائد الطائرة بالعودة على وجه السرعة بعد أن يأخذ الإذن من برج المراقبة، فالصحة لم يكن يتساهل معها مهما كانت الظروف، لقد كان هكذا في مسؤوليته أثناء توليه مهام هيئة الصحة بإمارة دبي فكان للصحة عافيتها وتاج رأسها.
حمدان الأمين على مال الدولة، طوال فترة توليه حقيبة وزارة المالية والصناعة لقرابة نصف قرن متواصل، كان مبدأه حرمة المال العام، فوزن الدراهم لا يقل عنده عن الملايين، فالقليل والكثير يخضع عنده للتدقيق المحاسبي.
فمن وحي الذاكرة، في العام 1981، وهي سنة تخرجي في الجامعة ضمن الدفعة الأولى، حيث تم تعييني رئيس قسم معاهد اللغات بوزارة التربية والتعليم، في تجربة مسؤولة عن مئات الطلاب والإداريين في مختلف إمارات الدولة، وكان ضمن مسؤوليتي مراجعة الكشوف المالية الشهرية، الخاصة بمكافآت العاملين في تلك المعاهد.
وفي أحد الشهور، أعادت وزارة المالية الكشف إلى القسم، بسبب خطأ حسابي بقيمة 50 فلساً، والتي لم يتم إلحاقها بفاتورة الصرف، وبالتواصل مع مدير المعهد المعني بالكشف للاستفسار عن ما تم شراؤه بهذا المبلغ الذي عطل صرف المكافآت، فكانت الفاتورة تشير إلى شراء قلم رصاص!
وبعد إعادة إرسال الكشف إلى المالية، تم الإفراج عن المكافآت، وقد تيقنت حينها بأن على رأس هذه الوزارة رجلاً لا تغفل عينه عن الفلس قبل المليون.
وقد يستهين البعض بالفلس، ولكن ما تم اكتشافه أيضاً من قبل وزارة المالية عن اختفاء مبلغ 300 ألف درهم من واردات المالية الخاصة بالهيئة العامة للبريد في سنة من السنوات، وبعد التحقيق الأمني في القضية تبين بأن موظفاً عاماً استغل وظيفته في سرقة طابع بريد من فئة خمسين فلساً ولمدة 13 عاماً، هكذا تم استرجاع مضاعفات الخمسين فلساً وفق القانون إلى خزانة الدولة.
كاتب إماراتي