هذا المصطلح السياسي المتداول والذي كثيراً ما تلهج به الألسن، ليس جديداً على البشرية بل طالما رافق الأحداث الساخنة منذ بداية الخليقة وإلى الآن، إذ ما فتئت الألسن تلوك مفردة «المؤامرة» صانعةً من خلالها مختلف الظنون وشتى الشكوك والتفسيرات، لتأثير سطوتها وقوة وقعها على العقول، إذ أن التآمر واحد من أفعال اللؤم والخبث والغدر والتحايل والتلون. ومع ذلك نجد مَن حذّر من خطورة نظرية المؤامرة، وربما يلومك ويطالبك بضرورة التخلص من عقدة «نظرية المؤامرة» باعتبارها فكرة وهمية وعبثية ولا أساس لها في الواقع.

وربما اعتبرها البعض شمّاعة الفشل لدى المفلسين والمحبطين واليائسين الذين ليس لديهم خريطة طريق ولا بعد نظر ولا أي فكر أو طموح أو مشروع ناجح في حياتهم.. لذلك فهم يعلّقون فشلهم على هذه المقولة القديمة الجديدة لتبرير عجزهم وعدم قدرتهم على صنع النجاح.. والحقيقة أنهم عجزوا عن مواكبة التطور وقبول الآخر، وأنهم كسالى وعاجزون ولا أحد يتآمر عليهم.. هكذا يقول البعض الآخر. لكن واقع الحال اليوم يعيد لنا أثَر وفزع نظرية المؤامرة المستمرة في تغلغلها بقوة في كل شيء، حيث أصبحنا أكثر قناعةً بها قياساً إلى الزمن الماضي، أي زمن الطيبين وزمن العمل الإنساني والاجتماعي الخالي من العقد وسوء النوايا.

وتعود للتردد في المجال العام بين فترة وأخرى مفردة المؤامرة، ربما من كثرة الأحداث الساخنة والمتسارعة والمتضاربة والمتشابكة والمتواترة في منطقة الأوسط على الخصوص، والتي أصبحت بيئة خصبة لنسج وصنع نظريات المؤامرة المتعددة والمتنوعة في أشكالها ومضامينها، المخيفة والمزلزلة، وقد احتوت واحتضنت كل الأفكار السامة والقاتلة والمدمرة ضد الدول الوطنية وضد الإنسانية ككل، حيث تعرضت الأوطان للتفتيت والتخريب ولتشويه تاريخ شعوبها وطمس معالمها وتسفيه إنجازاتها.. كما تم إنهاك الشعوب وتقسيمها إلى طوائف ومذاهب وأقليات وإثنيات.. وتم زرع الفتن وخلط الأوراق.. لكي تضعف الدول وتذوب الهويات الوطنية.

وبالأمس القريب صرح أحد المسؤولين العرب السابقين قائلاً: لقد تآمرنا على بعضنا بتوجيهات من الدول الكبرى القوية المتنفذة، وهو تصريح خطير ومؤسف! ويأتي اليوم مَن يقول إن نظرية المؤامرة غير موجودة وغائبة، بل هي (في نظره) فكرة قديمة ومستهلكة عفى عليها الزمن وتجاوزها، مستغرباً من البعض أنهم يؤمنون بوجود مؤامرات في عالم السياسة، زاعماً أنها غير موجودة أصلاً وإن وجدت في مرحلة ما فإنها اختفت وتلاشت مع الزمن الغابر وما عاد لها أي وجود، حسب زعمه! ونقول إن نظرية المؤامرة موجودة وحاصلة وقائمة ومستفحلة ومستشرية في كل زمان ومكان، وإلا فكيف تحولت مناطق عديدة من عالم اليوم إلى ما هي عليه من جحيم وخراب ودمار؟ وكيف حلت الصراعات والحروب والفتن وصنوف الاقتتال والاحتراب، بالإضافة إلى القلاقل والاضطرابات والأوبئة والأمراض والخلافات والنزاعات وغياب الثقة.. في العلاقات بين الدول والقادة والشعوب؟

إن هذه التقلبات السريعة في المواقف والرؤى والتوجهات والثوابت، في كثير من دول العالم ومناطقه، وبعضها ما كان أحد ليتوقع أن يهتز استقرارها أو تتأثر علاقاتها.. لا يمكن فهمها بعيداً عن نظرية المؤامرة. إن فرضية المؤامرة وحدها هي ما يمكن أن يفسر كثيراً من التغيرات الراهنة، حيث يصبح حليف اليوم ضد صديق الأمس!

*كاتب سعودي