خمسون عاماً مرت على تأسيس كلية زايد الثاني العسكرية، واليوم ونحن نحتفل بهذه الذكرى الغالية، نستحضر مسيرة اتحادنا المبارك، ورؤية القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ولا سيما بشأن تلازم مسارات البناء وتوازيها، بما يعكس عمق رؤيته الاستراتيجية الفطرية الدقيقة، التي استوعبت منذ بدايات مرحلة البناء أهمية العلم في المجالات العسكرية والمدنية على حد سواء.
تعد كلية زايد الثاني العسكرية مفخرة لأكاديمياتنا العسكرية والدفاعية، وأيقونة للعلوم العسكرية في دولة الإمارات العربية المتحدة، قد شهدت مراحل عديدة من التطور الذي واكب مسيرة التقدم والنهضة التي شهدتها دولة الإمارات خلال الخمسين عاماً الماضية، وما شهدته أيضاً قواتنا المسلحة من تطور مؤسسي شمل جميع قطاعاتها، بما في ذلك استحداث العديد من الأكاديميات والمعاهد والمدارس العسكرية التي تمثل اليوم منظومة متكاملة للتعليم والتدريب والتأهيل العسكري والاستراتيجي في الدولة.
إن كلية زايد الثاني العسكرية، وُلدت، وستبقى إن شاء الله، صرحاً عظيماً وقلعة من قلاع العسكرية الوطنية، ومصنعاً من مصانع بناء الرجال، ومدرسة من أرقى مدارس التعليم والتدريب العسكري على مستوى الإمارات والمستويين الإقليمي والدولي، بفضل إمكانياتها الكبيرة في تأهيل الخريجين المسلحّين بالمعارف العسكرية المتطورة، المؤمنين بقيم الإمارات ومبادئها الأخلاقية والإنسانية، القادرين على الذود عن حياض الوطن ومكتسباته في الداخل والخارج ارتكازاً على نهج القائد المؤسس وإيمانه بأن «لا القوة وحدها يكتب لها الحياة ولا الحق وحده دون القوة يكتب له البقاء».
إن المكانة التي ارتقت إليها كلية زايد الثاني العسكرية في مجال العلوم العسكرية قد باتت موضع فخر وطني، شأنها في ذلك شأن جميع الأفرع والأكاديميات العسكرية في الدولة، والتي باتت إحدى نقاط القوة النوعية المضافة التي تعزز تنافسية الإمارات وقواتنا المسلحة باعتبارها أحد المؤشرات والمعايير المحورية في تحديد مراتب تقدم الجيوش وتطورها.

وحيث يعد التقدم في مناهج العلوم العسكرية بما يجعل ضباط القوات المسلحة قادرين على مسايرة واستيعاب التغيرات المعرفية المتسارعة في الأسلحة والعتاد وتدريب الأفراد، حيث أصبح التعامل مع مختلف مصادر المعرفة والعلوم والتطورات التكنولوجية والتقنية سمة مميزة للجيوش المتقدمة، وحيث أصبحت التحديات الاستراتيجية المتغيرة في عالم متسارع تنعكس بدورها على مناهج الكليات العسكرية ومناهج عملها، بما يلقي عليها المزيد من المهام الوطنية لمواصلة بناء أجيال جديدة قادرة على تحمل المسؤوليات بنفس قوة الإرادة والعزيمة والمثابرة التي اتسم بها قادة وضباط قواتنا المسلحة منذ قيامها، ما جعل منها مصانع حقيقية للرجال الذين يدافعون عن أمن والوطن واستقراره ومكتسباته ومصالحه ويحملون قيمه ومبادئه في كل زمان ومكان، ويحملون المسؤوليات والمهام الوطنية التي تسند إليهم بكل شجاعة واقتدار.


ولا شك أن تنوع المهام الوطنية التي تضطلع قواتنا المسلحة يؤكد أهمية الدور الذي تقوم به كلية زايد الثاني العسكرية من أجل تأهيل الكوارد البشرية التي تمتلك العلم والكفاءة والقدرة على فهم بيئة العمل وما تتطلبه من قدرات ومهارات تحتاجها المهام التي لا تقتصر على الجوانب القتالية والدفاعية بل تشمل مهام الإغاثة الإنسانية والطوارئ وحفظ السلام وإعادة الإعمار ودعم المجتمعات والشعوب في مراحل ما بعد الصراعات، وتحقيق الأمن والسلم الإقليمي والدولي، ومكافحة الإرهاب وصون الاستقرار، وجميعها من الأدوار والمهام التي نجحت قواتنا المسلحة في تنفيذها بشكل مذهل نال إعجاب وتقدير واحترام العالم أجمع.
وإذا كانت قواتنا المسلحة هي «العمود الفقري لصون منجزات دولة الإمارات العربية المتحدة، وحماية أمنها واستقرارها»، كما يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، فإن كلية زايد الثاني العسكرية وجميع أكاديمياتنا العسكرية هي الركيزة والضمانة التي توفر الأساس العلمي والمعرفي والتدريبي اللازم لتحقيق أعلى مستويات التفوق في الكفاءة والأداء وسرعة الاستجابة للتعامل مع مختلف المستجدات والتطورات، فكلية زايد الثاني العسكرية صرح وطني عسكري عريق داعم لطموحات الدولة وتطلعها إلى بلوغ قمة التنافسية العالمية في مختلف مؤشرات التنمية من خلال ترسيخ قيم التميز والإبداع والابتكار والجودة في مساقاتها التدريسية لمواكبة النظريات الحديثة في العلوم العسكرية والاستراتيجية، وبما يرفد القوات المسلحة بما تحتاجه من ضباط مؤهلين قادرين على تحمل المسؤولية والدفاع عن الوطن والتضحية من أجله بكل غال ونفيس.


إعلامي وكاتب إماراتي