مع كل يوم يمر يزيد السودانيون في فرقتهم وتشرذمهم، فهم حتى الآن لم تكفيهم الانقسامات العرقية والطائفية والمناطقية والقبلية وغيرها من عناصر، بل أضافوا في هذه المرحلة تشرذماً جديداً باتت الأطراف المتنازعة على كراسي السلطة تطلقه على بعضها بعضاً وهو المكون المدني والمكون العسكري، وضمن ذلك تكمن تشرذمات أخرى ما بين جماعة المهنيين والتيار اليساري والقوات المسلحة الأصل وقوات الدعم السريع وهلم جرا.

والكل يدّعي بأن الحق معه والشارع السوداني يقف إلى صفه ويدعمه ويسانده. لذلك، فإن سؤالاً مفصلياً يبرز في الساحة السياسية، وهو إلى أين يتجه السودان بعد كل الذي مر به منذ انتفاضة 2018 - 2019؟

وهل يسير في الطريق الصحيح أم أنه دخل من جديد في مسارات أكثر وصعوبة مما كان عليه الأمر في أثناء حكم «الإخوان»، الذي جثم على صدر البلاد وأهلها لمدة ثلاثين عاماً بالتمام والكمال؟ السودان الحديث، مثله مثل أية دولة أخرى في العالم المعاصر يسير عبر مسارات التاريخ من سودان الماضي إلى سودان الحاضر، وبالتأكيد إلى سودان المستقبل، فهذا اتجاه مؤكد مثل الزمن ذاته.

ولأننا نعرف الكثير عن الماضي والحاضر فيما يتعلق بهذه الدولة العربية - الأفريقية العملاقة حجماً وإمكانيات كامنة لم تستغل بعد بالشكل الصحيح، فإن السؤال الذي يواجهنا الآن هو: ما الذي يخبئه الغد للسودان على ضوء ما يمر به من إرهاصات وتقلبات حتى الآن كارثية؟ إن الإجابة على الأسئلة المطروحة بهذا الشأن ليست متوفرة وعلى المرء أن يبحث عنها على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية والمجتمعية والثقافية والعلاقات الخارجية.

والحقيقة أن مثل هذا البحث قد لا يوصلنا إلى إجابات شافية وكافية في دولة تتغير فيها الأمور، وتتقلب فيها الأحداث فجأة وبين لحظة وأخرى.ما يحدث في السودان حالياً من انشقاقات بين المكونين الجديدين ليس مطمئناً ولا يبشر بأي خير لا للسودان كدولة ووطن ولا لشعب السودان الذي يدفع أثمان باهظة في كل لحظة، وعلى الطرفان أن يجلسا سريعاً، لكي يلما الشمل مرة أخرى لأن ما هو حاصل حالياً ليس في مصلحة أياً منهما ولا في مصلحة السودان وأهله، وعليهما أن يقدما تنازلات تصب في هذا السبيل، وذلك لأن أياً منهما لن يتمكن من إقصاء الآخر بالسهول التي يتصورها، فإبعاد القوات المسلحة عن الساحة السياسية غير ممكن، لأنها مؤسسة عسكرية مسيسة إلى حد النخاع وإبعاد القوى المدنية عن ما يجري غير ممكن أيضاً، لأن جزء لا يستهان به من الشارع السوداني يقف وراءها ويسندها أيضاً.

لذلك، فلا سبيل لأي من الطرفين أن يجوز على كل شيء بعيد عن الآخر، ولا توجد أمامهما حلول سوى الاتفاق رأفة بالبلاد ذاتها وحقناً لدماء أبناءها ومنعاً لتفاقم الأمور لكي تصل إلى ما لا تحمد عقباه.

والحقيقة أن أمر الفرقة في السودان ليس بالأمر الجديد أو المستغرب، لكن الغريب هو أن الانتفاضة التي أطاحت بالإخوان بعد ثلاثين سنة من تسلطهم على السودان وتنمرهم على شعبه لم تفض إلى خلق نمط من الوحدة الجديدة بين السودانيين، وربما أن مثل هذا الأمر يعود إلى التجربة السودانية ذاتها، فهي تجربة خاصة بتركيبتهم الاجتماعية،على مدى المائتي عام الأخيرة من تاريخ السودان، فهم مختلفون فيما بينهم وفي نظرتهم إلى مفهوم الوطن، وتعتمد كثيراً لدى الفرد منهم وعلى الطائفة والعرق والمنطقة، وهذه نظرة من مصلحتهم أن يغيروها فهي مدعاة للفرقة والاختلاف.

* كاتب إماراتي