تعيش الولايات المتحدة في حالة صدمة بعد مقتل 19 طفلاً على يد شاب مسلح داخل مدرستهم ببلدة يوفالدي في تكساس، وقد لخّص الرئيس الأميركي درجة المأساة في خطاب له إلى الأمة ألقاه من البيت الأبيض، قال فيه: «متى، حباً بالله، سنقف بوجه لوبي الأسلحة؟». وأضاف، وقد بدت عليه أمارات التأثر: «لقد حان الوقت لتحويل هذا الألم إلى عمل، من أجل كل والد، من أجل كل مواطن في هذا البلد. ينبغي علينا أن نوضح لكل مسؤول منتخب في هذا البلد أن الوقت حان للتحرك».
كما هاجم الرئيس («الديمقراطي») المعارضةَ «الجمهورية» التي عرقلت حتى الآن كل محاولاته لتمرير إجراءات في الكونغرس، مثل فرض إلزامية التدقيق في السجل الجنائي والتاريخ النفسي لكل مَن يرغب في شراء سلاح ناري قبل بيع هذا السلاح له. 
وتشهد الولايات المتحدة بشكل متكرر حوادث عنف وإطلاق نار في المدارس والحانات تسفر عن عشرات القتلى الأبرياء. ومن أشهر الحوادث التي يمكن ذكرها هنا مقتل عشرين طفلاً في ولاية كونيكتيكت عام 2012، بعدما فتح رجلٌ النارَ عليهم في مدرسة، كما أنه في عام 2018 قَتل طالبٌ في مدرسة ثانوية بولاية تكساس ثمانيةً من زملائه، وهي الحادثة التي سبقتها بعدة أشهر حادثة أخرى راح ضحيتها 17 شخصاً. وفي كل مرة تحيي هذه الحوادثُ الجدلَ المحتدمَ في البلاد حول استخدام وشراء الأسلحة النارية. 
لكن إمكانية تشديد القوانين المتعلقة بالأسلحة النارية ما تزال بعيدةَ المنال نظراً إلى أسباب قانونية واضحة وإلى معارضة الجمهوريين، فامتلاك الأسلحة النارية من طرف المواطنين الأميركيين هو من بين الحقوق التي أقرَّها الدستور الأميركي منذ أزيد من قرنين، والولايات المتحدة الأميركية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تسمح لمواطنيها بحمل السلاح حتى في الشوارع، وذلك انطلاقاً من مبدأ احترام الحرية الفردية. ويستمد الدستور الأميركي مادة «الحق في التسلح» من المبدأ الذي يؤكد أن هذا الحق من الحقوق الطبيعية.
ورغم تسارع وتيرة الحوادث المأساوية بسبب استعمال الأسلحة الفردية، ورغم تزايد المطالبات بتشديد القوانين المتعلِّقة ببيع الأسلحة في البلاد، فإن لوبيات مصنِّعي وتجار الأسلحة لها تأثير كبير على مسار القوانين في الكونغرس، فهذه اللوبيات تنشط كثيراً مع أعضاء البرلمان، وهي تمولهم أحياناً، مما يسمح لها بتعطيل كثير من اقتراحات القوانين التي تهدف إلى تعزيز المراقبة على شراء الأسلحة وحيازتها. كما تمول هذه اللوبيات الانتخابات الرئاسية بملايين الدولارات. والأدهى من هذا كله أن حوادث إطلاق النار العشوائي تزيد من الطلب على الأسلحة من طرف الأميركيين، إذ أصبحت اللوائح الأميركية التي تتناول بيع الأسلحة النارية أكثر تساهلاً مما كانت عليه في السنين الماضية، وهو ما يزيد من استبعاد وقف بيع الأسلحة.

أكاديمي مغربي