سيولي مراقبو الاقتصاد العالمي والمشاركون في السوق الكثيرَ من الاهتمام الأسبوعَ المقبل لكيفية وصف الاحتياطي الاتحادي للتوقعات الاقتصادية للولايات المتحدة ولحجم زيادته لأسعار الفائدة ومدى التغيير لوتيرة انكماش ميزانيته العمومية. لكن فيما يتعلق بسلامة الولايات المتحدة وسلامة الاقتصاد العالمي، فالإجابة على هذه الأسئلة أقل أهميةً من السؤال عن مدة إظهار الاحتياطي الاتحادي للجدية في إصلاح أربعة إخفاقات ما زالت تغذي أحد أسوأ أخطاء السياسة منذ عقود.

فهناك فشل في التحليل والتنبؤات والاستجابة والإعلام. دعونا أولاً نتعامل مع ما يبدو أنه يثير اهتمام الاقتصاديين والأسواق في الوقت الحالي. وفيما يتعلق بالتوقعات الاقتصادية، سيقر الاحتياطي الاتحادي مرةً أخرى بأن التضخم قد أثبت أنه أعلى وأكثر عناداً مما كان متوقعاً. وعلى الرغم من بعض علامات الضعف، ما زال الاقتصاد الأميركي يحتل «موضعاً جيداً».

وسيرفع الاحتياطي الاتحادي على الأرجح، على الرغم من كل هذا، أسعارَ الفائدة مرةً أخرى بمقدار 75 نقطةَ أساس ولن يجري تغيراتٍ على خططه المعلنَة سلفاً الخاصة بالتشديد الكمي. وسيريح هذا القلقين من احتمال أن الاحتياطي الاتحادي الذي يسعى جاهداً للحاق بالركب سيرفع أسعارَ الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس ويفاقم المخاطرَ غير المريحة في ارتفاعها بالفعل لدفع الاقتصاد الأميركي إلى حافة الركود.

لكن سيتضح مرة أخرى أن هذا الارتياحَ عابرٌ ما لم يستعد الاحتياطي الاتحادي مصداقيتَه السياسيةَ من خلال معالجة إخفاقاتِه الأربعة المستمرة. الإخفاق الأول يتعلق بالتحليل؛ إذ ما زال يتعين على الاحتياطي الاتحادي القيامَ بتحول تحليلي شامل من عالم يهيمن عليه منذ سنوات نقص في الطلب الكلي إلى العالم الحالي الذي يلعب فيه العرضُ الكليُّ الناقصُ دوراً مهماً. ونهج سياسته النقدية إما أنه ما زال محكوماً رسمياً بـ«إطار العمل الجديد» الذي تم تبنيه العام الماضي، والذي لم يعد مناسباً ويجب التخلي عنه علناً، أو أنه غير محكوم بأي إطار عمل على الإطلاق، مما يترك الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي بدون مرساة هو في غاية الحاجة إليها.

والنتيجة هي وجود بنك مركزي يكافح باستمرار لإعلام العملاء الاقتصاديين والتأثير عليهم بشكل ملائم ويتخلف باستمرار عن الأسواق بدلاً من التقدم عليها وقد يقع بسهولة فريسة لخطأ في السياسات أكثر كارثيةً ويتمثل في العودة إلى فخ السبعينيات المتمثل في سياسات «التوقف والتحرك». ولتوضيح عدم ملاءمة مرساة سياسة الاحتياطي الاتحادي، لنأخذ في اعتبارنا توقعات السوق الضمنية في الآونة الأخيرة لما سيعلن عنه اليوم الأربعاء (27 يوليو).

ففي غضون أيام قليلة فحسب، تحول احتمال الرفع غير المعتاد للاحتياطي الاتحادي سعرَ الفائدة 100 نقطة أساس من ضئيل إلى متساو ثم انقلب مرة أخرى إلى غير مرجَّح. وكلما طال أمد مقاومة الاحتياطي الاتحادي للمحور التحليلي الذي تجاوزَه الزمنُ، استمرت أخطاء توقعاته الخاصة بالتضخم والنمو، مما يؤدي إلى تفاقم الفشل الثاني. وخلال الأرباع القليلة السابقة، رفضت طائفةٌ واسعةٌ من الاقتصاديين ومحللي السوق، بل والأكثر غرابةً، مجموعةٌ من مسؤولي الاحتياطي الاتحادي السابقين، مثل هذه التوقعات بسرعة وأصابت في استنكارها باعتبارها غير واقعية. وهذا أكثر أهمية الآن لأن الاقتصاد الأميركي يبدي علاماتٍ ليس فقط على الضعف ولكن أيضاً على غواية الركود.

وثالثاً، يجب على الاحتياطي الاتحادي التحلي برشاقة أكثر في استجاباته السياسية. فمن المتفق عليه الآن على نطاق واسع أنه بعد التمسك طويلاً بالتوصيف المضلل بأن التضخم «عابر»، كان يجب أن يستجيب بقوة أكبر عندما «تقاعد» أخيراً هذا التوصيف الخاطئ.

وقد أكد نائب الرئيس السابق راندال كوارلز ذلك في الأيام القليلة الماضية، وأشار أيضاً إلى القلق الذي أؤمن به أنا وكثيرون آخرون وهو أن الأسواق ما زالت تحتوي الاحتياطي الاتحادي. وأخيراً، يجب أن يكون الاحتياطي الاتحادي أكثر وضوحاً في بياناته الإعلامية. فالبنك المركزي في البلدان المتقدمة ما زال أكثر عرضةً فيما يبدو لـ«اقتصاديات القصص الخيالية»، بحسب توصيف وزير الخزانة البريطاني السابق ريشي سوناك. والاحتياطي الاتحادي هو الأكثر أهميةً منهجياً من بين كل هذه البنوك المركزية.

وبغض النظر عما سيفعله الاحتياطي الاتحادي في الأيام القليلة المقبلة، فدون معالجة هذه العيوب الأربعة، سيظل البنك المركزي مفتقراً للمصداقية اللازمة كي يتجنب أن يتذكره المؤرخون الاقتصاديون بأنه تسبب دون داع في ركود أميركي وزعزع استقرار اقتصاد عالمي ما زال يحاول التعافي من «كوفيد-19» وفاقم عدمَ المساواة وأذكى عدم الاستقرار المالي المضطرب، وساهم في زيادة ضغوط الديون على بلدان نامية هشة.

*رئيس «كوينز كوليدج» بجامعة كامبريدج وكبير المستشارين الاقتصاديين لشركة «اليانز». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»