هي عادةٌ لدى قُدامى الكُتاّب أن يحاولوا التوقع للعام الجديد، في ضوء أحداث العام الفائت بالغة الكثرة وبالغة التداعيات.

أهمُّ أحداث العام 2022، بلا شكّ، الحرب الروسية في أوكرانيا. وهي حربٌ ما توقع كثيرون أن تحدث، كما لم يتوقع كثيرون مجرى الأحداث ومفاجآتها. في أول شهرين من الحرب توقّع كثير من الخبراء انتصاراً سريعاً لروسيا التي وصلت قواتُها إلى مشارف العاصمة الأوكرانية كييف.

لقد تذكر الجميع كيف انتصرت روسيا عام 2014 وضمت شبه جزيرة القرم. لكن بفضل صمود القيادة الأوكرانية ووحدة الشعب من خلف الجيش، اضطرت روسيا للتراجع وتحديد أهداف الحرب («العملية الخاصة») بالاستيلاء على منطقتي دومباس. لكنْ حتى هذا الهدف لم يتحقق بالكامل. فهناك نواحٍ من دومباس ما أمكن لروسيا احتلالها، وهناك مدن وبلدات عبر نهر دنيبر استطاع الجيشُ الأوكراني استعادتَها. ولذا قامت روسيا بثلاثة إجراءات: شن هجمات صاعقة في سائر أنحاء أوكرانيا مستهدفةً البنى التحتية بالطائرات المقاتلة والمسيرات المتطورة.

والإجراء الثاني: استدعاء مئات الآلاف من الاحتياطي للخدمة الفورية. والإجراء الثالث: توسيع نطاق الحرب بحيث تجري على ثلاث جبهات من بينها جهة بيلاروسيا. وحتى الآن استمرت الولايات المتحدة ومعها الأوروبيون في إمداد أوكرانيا بالأسلحة والمساعدات اللوجستية والإنسانية. لكن ما هو المنتظر في هذا الشتاء وما بعده؟ المنتظر مَهول ومأساوي على أوكرانيا وروسيا، وعلى بقية العالم أيضاً لجهات عديدة: الطاقة والغذاء والانقلابات الاستراتيجية.

وأسوأ ما في الأمر أنه ليست هناك حتى الآن مبادرات يمكن ذكرها لإحلال السلام!     أما الظاهرة الثانية في أحداث عام 2022، والتي ستكون لها عواقب في عام 2023، فلها علاقة بالحدث الروسي الأوكراني، وإن لم تكن ناجمةً عنه، وأعني بها الانقسام بين الولايات المتحدة والصين.

منذ أيام أوباما عندما كان يقوم يما يشبه عملية الانسحاب من الشرق الأوسط ويُجري الاتفاق النووي مع إيران، قيل إنّ هذا التحول الاستراتيجي يعود إلى انصراف الولايات المتحدة لمواجهة الصين في بحر الصين وفي المسائل التجارية وفي التحرك الاستراتيجي في العالم. وفي أيام ترامب تصاعد الحديث عن العقوبات التي تفرضها أميركا على الصين. أما أيام بايدن فإنّ الأمر لم يقتصر على العقوبات الوحيدة الجانب، بل تصاعدت المواجهة شبه العسكرية أيضاً في بحر الصين الجنوبي ومن حول تايوان: الولايات المتحدة تعلن عن تزويد تايوان بالسلاح المتطور، والصين تزيد يومياً من تحركاتها في المنطقة بحراً وجواً.  

  وفي حين تبدو الولايات المتحدة حادّةً في المواجهة مع روسيا ومع الصين، فإنّ الأوروبيين الذين يواجهون روسيا مع الولايات المتحدة، لا يبدون متحمسين لمواجهة الصين تجارياً أو عسكرياً. وكذلك الأمر مع بقية العالم، حيث عُقدت مؤخراً في مدينة جدّة السعودية قممٌ سعوديةٌ صينية وخليجيةٌ صينيةٌ وعربيةٌ صينيةٌ، وتزايد الحديثُ حول الشراكات الاستراتيجية مع الصين. وشغلت الحربُ الروسية الأوكرانية العالمَ، وأدت إلى اضطراب سلاسل الإمداد بالطاقة والغذاء، وآذنت بتحولات استراتيجية تبدأ بروسيا لكنها تنتهي أو تستمر وتتصاعد مع الصين وتفوقها الاقتصادي والعسكري. وجاءت الحرب واضطراباتها بعد سنوات كورونا القاسية.  

  وعندنا في العالم العربي عدة أزمات لا يُتوقع تحسُّن فيها خلال عام 2023، وذلك في كل من سوريا واليمن ولبنان وليبيا.     هناك مفكران فرنسيان هما دومينيك فيدال وبرتران بادي يكتبان كل عام عن أوضاع العالم، وقد أصدرا في نوفمبر الماضي كتاباً بعنوان «لن يعود العالَم كما كان»!

*أستاذ الدراسات الإسلامية -جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية