ما زلنا نتحدث عن أهم محطات عام 2022 في الساحة الدولية، وفي هذه المقالة سنبرز عناصرَ أخرى بتجاوز القشرة السطحية لمقتضيات الأحداث، وتأمل الأسباب التي تتحكم فيها، والنظر في حركتها المديدة الفاعلة في العمق، حتى تتم الفائدة من هذا النوع من الحصيلة السنوية في أدبيات التحليل الجيوسياسي:
- شهدت دول في الاتحاد الأوروبي موجات حر وجفاف استثنائية.. فمثلاً تعرضت بريطانيا لضغط جوي حاد في شهر يوليو، حيث شهدت ارتفاعاً في درجات الحرارة التي تجاوزت 40 درجة مئوية ربما للمرة الأولى، مما جعله الشهرَ الأكثر جفافاً منذ عام 1935، وهو أيضاً ما جعل السلطات توقِّع مرسوماً يحظر ريَّ الحدائق أو غسل السيارات في العديد من المدن. ثم إنه لا يجب أن ننسى الحرائق المهولة في أوروبا والعديد من مناطق العالم الأخرى.
- زد على ذلك أن البنك الدولي حذّر من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بين أكثر الأماكن على الأرض عرضةً للخطر نتيجةً لارتفاع منسوب مياه البحر، خاصة المناطق الساحلية المنخفضة. كما توقَّع أن يتعرّض عشرات ملايين البشر في المنطقة لضغط نقص المياه بحلول عام 2025. وشحُّ المياه نتيجةً للجفاف سيؤدي بدوره إلى زيادة الضغط على موارد المياه الجوفية وإلى قلة المحاصيل الزراعية.
-إن الحرارة في العالم سترتفع بواقع 1.5 درجة مئوية، وستتكرر موجات الحر الشديد باستمرار، وذلك بسبب الاحتباس الحراري، وتبقى النشاطات البشرية هي السبب وراء كل هذه المصائب، والعالَم لا يتعظ، ومعظم الدول لا تنظر إلا إلى مصالحها الخاصة.
- عُقدت قمة أميركية أفريقية احتضنتها واشنطن، وشارك فيها نحو 50 من القادة الأفارقة، إذ تحاول الولايات المتحدة تداركَ تأخّر تواجدها الفاعل في القارة الأفريقية وإيقاف المد الصيني والروسي في قارة يتعدَّى عددُ سكانها المليار نسمة ويشكلون 15% من سكان العالَم. وقد أكد الرئيس الأميركي في خطاب ألقاه أنه يؤيّد منحَ الاتحاد الأفريقي عضوية دائمة في مجموعة العشرين، وكشف أنه يعتزم زيارةَ دول في أفريقيا جنوب الصحراء، ستكون أول زيارة هناك لرئيس أميركي منذ عام 2015. وعلى هامش القمة، أعلنت الولاياتُ المتحدة تخصيصَ استثمارات بقيمة 55 مليار دولار لمشاريع في القارة على مدى السنوات الثلاث المقبلة، من بينها استثمارات في الطاقة الخضراء وتدريب العاملين في مجال الصحة وتحديث شبكات الإنترنت.
- ولا يَخفى على كل متتبعٍ أن النفوذَ الصيني والروسي المتزايد في الدول الأفريقية، يثير مخاوف الولايات المتحدة من مغبة توسُّع الدولتين الغريمتين لها وللغرب عموماً في هذه المنطقة، خاصة أنه وفقاً للتوقعات ستكون القارةُ بحلول عام 2050 موطناً لربع سكان العالم، وبحلول عام 2075 سترتفع النسبةُ إلى الثلث، فالكثير من تاريخ هذا القرن سيكتب في أفريقيا، وتأتي القمة اعترافاً متأخراً بهذه الحقيقة.

*أكاديمي مغربي