ينص مشروع قانون الهجرة الجديد الذي وضعته الحكومة الفرنسية، ضمن بنوده، على تسهيل قدوم الأطباء الأجانب عبر منحهم بطاقة إقامة خاصة بهم، وهذا الإجراء يزيد لا محالةَ من مخاوف الدول المغاربية وأفريقيا الفرنكفونية التي تزود المستشفيات الفرنسية بالعاملين في القطاع الصحي، من عملية «نهب» واسعة لطبقتها المتعلمة والماهرة في هذا القطاع.
لكن قبل التطرق إلى هذه النقطة، دعونا نشير إلى بعض الأرقام وإلى بعض المواثيق الدولية، فالأمم المتحدة تشير إلى وجود أزيد من 258 مليون شخص مهاجر حول العالم، أي ما يمثل 3.4 بالمائة من مجموع سكان العالم، وتمثل تحويلاتهم المالية حوالي 450 مليار دولار، أي حوالي 9 بالمائة من الناتج الخام العالمي. وتعد مسألة الهجرة واحدة من أهم المواضيع التي تصرف عليها الأموال وتتناولها العديد من السياسات العامة. 
وفي جانب آخر، يضع الميثاق الأممي الذي سبق وأن تبناه ممثلو نحو 150 دولة، 23 هدفاً، وبموجبها يسعى إلى إدارة مسألة الهجرة بشكل أفضل على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، ويتضمن هذا النص مبادئ تتعلق بالدفاع عن حقوق الإنسان والأطفال والاعتراف بالسيادة الوطنية للدول، كما يتضمن اقتراحات لمساعدة الدول على مواجهة موجات الهجرة عبر تسهيل نقل المعلومات واستيعاب المهاجرين وتبادل الخبرات، والحد من العوامل السلبية التي تمنع الناس من العيش الكريم في بلدانهم الأصلية، وتهيئة الظروف التي تمكّن جميع المهاجرين من إثراء المجتمعات من خلال قدراتهم البشرية والاقتصادية والاجتماعية، ودمجهم لدفع التنمية على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية.
لكن للأسف ما تقوم به بعض البلدان الغربية من جلب اليد العاملة شريطةَ أن تكون ذات كفاءة لضمان استمرار نظامها الصحي الذي يعاني من مشاكل هيكلية، هو مسألة خطيرة جداً وتقوض أنسنة الهجرة التي تدعو إليها المواثيق الدولية، حيث يجب أن تكون الهجرة وسيلةً لتحقيق التنمية في دول الجنوب وليس سبباً لاستنزاف قدراتها. فالإجراءات الفرنسية الجديدة ستؤدي لا محالة إلى هجرة جماعية للأطباء والصيادلة من دول جنوب المتوسط، وهو ما سيؤدي إلى تقليل فرص سكان هذه الدول في الحصول على العلاج.
وفرنسا ليست البلد الوحيد الذي يجلب الكفاءات العلمية من دول الجنوب، فالعديد من الدول الغربية تسعى إلى ذلك أو ربما تكون قد نجحت فيه. ففي المملكة المتحدة مثلاً، يوجد طبيب أجنبي واحد من كل ثلاثة أطباء يعملون في المستشفيات العامة، ينحدر معظمهم من الهند ومصر ونيجيريا.
إن هذه القوانين الجديدة للهجرة تعبّر لا محالة عن التغيير الجذري الذي تحدِثه ظاهرةُ الهجرة في مسار العلاقات الدولية عن طريق ما يسمى «النهب العالي للكفاءات»، وأصبحت دول الجنوب هي الخاسر الأول، وإن كانت لا تزال تقاوم ولو باستحياء في بعض الأحيان لحماية مَواطن السيادة التي تملكها. 

*أكاديمي مغربي