في أحيان كثيرة، تفشل الصحافة الإسرائيلية والعربية على حد سواء فشلاً ذريعاً في كتابة تقاريرها عن أعمال العنف في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وفي الآونة الأخيرة، كانت جوانب التغطية الصحفية لاعتداءات شنتها القوات الإسرائيلية على المناطق المأهولة بالسكان الفلسطينيين والهجمات الفلسطينية القاتلة ضد الإسرائيليين مزعجة بشكل خاص. فعلى سبيل المثال، في 26 يناير الماضي، اقتحمت جنين وحدات سرية إسرائيلية جاءت على متن شاحنات الحليب، وأطلق الجنود المدججون بالسلاح النيران. ورد الفلسطينيون بإطلاق النيران. مما أودى في نهاية المطاف بحياة عشرة فلسطينيين. وذكرت الصحافة أن الهجوم استهدف «إرهابيين» أو«قنبلة موقوتة» يجري تجهيزها لهجوم على إسرائيليين.
ولم يطرح الصحفيون الإسرائيليون والأميركيون أي أسئلة، وأغلقت القضية. لكن ما هو الدليل على هذا الاتهام؟ وإلا كيف يمكن القبض على ما يعتقد أنهم «إرهابيون» مزعومون من دون اعتداء يعرض حياة المدنيين للخطر؟ وبدلاً من ذلك، تقبل الصحفيون الدليل أن الوحيد المطلوب هو الذي قدمه القاضي وهيئة المحلفين.

والسياق الضمني المزعج هو أن إسرائيل تحتجز حالياً أكثر من 800 فلسطيني كمعتقلين إداريين، في أعلى رقم منذ بدء الاحتلال. والمعتقل الإداري هو فلسطيني مسجون من دون اتهام أو أدلة أو الحق في محاكمة أو دفاع. وحين يُقتل فلسطيني، يُذكر أن الأدلة أكدت أن الضحية كان بالفعل إرهابياً. وهذه ليست صحافة.
كما أن الصحافة ليست أيضاً أن تكتب وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية تقارير ببساطة عن اعتقال الجيش الإسرائيلي لعشرات من أفراد أسرة أو هدم منزل المتهم بالإرهاب، كما لو أن هذه الأعمال الإجرامية للعقاب الجماعي سلوك طبيعي ومسوغ. فالأمر ليس كذلك. والتقارير الصحفية العربية ربما تكون في بعض الأحيان مزعجة بالقدر نفسه. وبدلاً من الاحتفال ببعض الأحداث التي تقع كجزء من استراتيجية لتحرير الفلسطينيين، يجب على الصحفيين، وخاصة المتعاطفين مع معاناة الفلسطينيين، ألا يقعوا في الورطة ذاتها التي لن تجعلهم أفضل حالاً من نظرائهم الإسرائيليين والأميركيين الذين يرددون كببغاوات قصة «القنبلة الموقوتة» التي رددها الجيش الإسرائيلي لتسويغ الهجمات. فهؤلاء الصحفيون الغربيون تقاعسوا عن طرح أسئلة حول مشروعية وأخلاقية العقاب الجماعي.
أنصار إسرائيل سيسألون: كيف تستطيع إسرائيل التعامل مع «تهديد الإرهابيين»؟ لكن هؤلاء يتجاهلون المشكلات الحقيقية للغاية التي تطرحها عمليات القتل خارج نطاق القانون والعقاب الجماعي الذي يتعرض له الفلسطينيون، وغياب الإجراءات القانونية الواجبة لتسويغ الاتهامات المتعلقة بـ«الإرهابيين» أو «القنبلة الموقوتة»، وعدم وجود أي أساس قانوني للعنف الوحشي، والنتيجة الحتمية للمرارة والرغبة في الانتقام.
العنف الإسرائيلي لم يقض على الحقوق الفلسطينية، ولم ينه العنف الفلسطيني الاحتلال. وإذا كان هناك أي تعليق، فإن هذه السلوكيات لا تؤدي إلا إلى مفاقمة القمع الإسرائيلي وتأجيج غضب الفلسطينيين ضد مضطهديهم. يمكننا على الأقل أن نطلب من الصحفيين استخدام لغة دقيقة وطرح أسئلة صحيحة حين يقومون بتغطية الأعمال المأساوية المؤسفة لكلا الجانبين. 

جيمس زغبي*
*رئيس المعهد الأميركي العربي- واشنطن