في الثالث من فبراير المنصرم، خرج قطارٌ يحمل مواد خطرة عن مساره في مدينة «إيست بالستاين» بولاية أوهايو. اشتعلت النيران على الفور في بعض المحتويات. وبعد ثلاثة أيام، أفرجت السلطات عن مواد إضافية من خمسة صهاريج وأحرقتها. تسببت هذه الحرائق في ارتفاع مستويات المواد الكيميائية الضارة في الهواء المحلي، على الرغم من أن وكالة حماية البيئة تقول إن التلوث لم يكن شديداً بما يكفي لإحداث أضرار صحية على المدى الطويل.
إن خروج القطارات عن مسارها أمر شائع إلى حد ما، لكن يمكنك أن ترى كيف يمكن أن يصبح هذا الأمر قضية سياسية. على أي حال، فقد حاولت إدارة أوباما تحسين سلامة السكك الحديدية، على سبيل المثال من خلال طلب مكابح حديثة للقطارات عالية الخطورة، ثم جاءت إدارة ترامب لتعكس هذه اللوائح. وربما لم تكن هذه اللوائح لتمنع خروج قطار أوهايو عن مساره لأنها كانت محدودة للغاية بحيث لا يمكنها تغطية هذا القطار بالذات. ومع ذلك، يبدو أن الأحداث في إيست بالستاين، في ظاهر الأمر، تعزز الحجة التقدمية التي تطالب بتنظيم أقوى للصناعة وتضر بالحجة المحافظة ضد التنظيم. وبدلاً من ذلك، فإن اليمين يشن هجوماً، مدعياً أن اللوم في هذه الكارثة في أوهايو يقع على عاتق إدارة بايدن، التي يقولون إنها لا تهتم أو أنها حتى معادية للبيض!
وهذا أمر مدهش حقاً، فبقدر ما أستطيع أن أقول، لقد اخترع المعلقون اليمينيون فئةً جديدةً من نظرية المؤامرة، فئة لا تحاول حتى شرح كيفية قيام المؤامرة المزعومة.
وتأتي نظريات المؤامرة عموماً في شكلين: ذلك الذي يتضمن عصابة صغيرة وقوية، وذلك الذي يتطلب أن يتواطأ آلاف الأشخاص لإخفاء الحقيقة.
تاريخياً، غالباً ما كانت تتم محورة نظريات المؤامرة حول العصابات القوية المعادية للسامية. ومع ذلك، فإن المثال الأبرز هذه الأيام هو «كيو أنون»، وهي نظرية مؤامرة من ابتداع اليمين الأميركي المتطرّف تتناول بالتفصيل خطّة سرية مزعومة لما يُسمّى «الدولة العميقة في الولايات المتحدة» ضدّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأنصاره. وتزعم هذه النظرية أن عصابة سرية من المتحرشين بالأطفال تتحكم في الحكومة الأميركية! وفي هذه المرحلة، بالطبع، يتمتع أتباع «كيو أنون» بسلطة ملحوظة داخل التجمع «الجمهوري» في مجلس النواب الأميركي.
ورغم أن نظريات المؤامرة المتمحورة حول دور أسطوري للعصابات السرية، هي نظرية سخيفة بشكل عام، إلا أنه من الصعب دحضها بشكل قاطع. 
وعلى النقيض من ذلك، يبدو النوع الآخر من نظريات المؤامرة كما لو كان من السهل دحضها، لأنه يتعين على الآلاف من الناس المشاركة في المؤامرة، من دون أن يقوم أحد بشق الصفوف. ومن الأمثلة البارزة، التي ما تزال مؤثرة للغاية على اليمين، التأكيد على أن تغير المناخ هو خدعة. ولتصديق ذلك، عليك أن تدعي أن آلاف العلماء يتواطؤون لتزوير الأدلة. لكن هذا لم يمنع الاعتقاد بأن تغير المناخ ليس حقيقياً من أن ينتشر على نطاق واسع ومهيمن على اليمين السياسي الأميركي. ويبدو أن «الكذبة الكبرى» حول انتخابات 2020 «المسروقة» تندرج في نفس الفئة، مما يتطلب ارتكاب مخالفات من قبل مسؤولي الانتخابات في جميع أنحاء البلاد. ومع ذلك، قال غالبية الجمهوريين لمنظمي استطلاعات الرأي إنهم لا يصدقون أن بايدن فاز بالفعل.
وهناك نظرية مؤامرة جديدة في المدينة: الادعاء بأن الحرب في أوكرانيا لا تحدث حقاً، بل هي مجرد نوع من التزييف. مَن الذي يمكن أن يصدق أن كل التقارير، وكل اللقطات التي يتم عرضها هي لقطات ملفقة؟ ويبدو أن أول مستشار للأمن القومي لدونالد ترامب هو الآن الذي ينكر وجود حرب أوكرانيا، ولن أتفاجأ إذا بدأنا في سماع هذا الاعتقاد من كثيرين آخرين داخل اليمين.
لكن نظرية المؤامرة حول انحراف قطار أوهايو عن مساره يأخذها إلى مستوى آخر تماماً. عندما اقترح تاكر كارلسون أن هذا حدث لأن إيست بالستاين هو مجتمع ريفي من البيض، مع وجود متحدث آخر على قناة «فوكس نيوز» ذهب إلى حد القول إن إدارة بايدن «تسكب مواد كيميائية سامة على الفقراء من البيض»، فكيف يُفترض أن ينجح هذا؟ كيف قام مسؤولو بايدن بتدبير انحراف قطار تابع للقطاع الخاص عن مساره، والسير على مسار مملوك للقطاع الخاص، والتي ضغطت لمنع وضع لوائح سلامة أقوى؟
الإدارة أيضاً لم تقصر عن المساعدة في حالات الكوارث. فسرعان ما وصلت عدة وكالات فيدرالية إلى مكان الحادث، ويقول الحاكم الجمهوري لولاية أوهايو عن الاستجابة الفيدرالية: «ليس لديّ شكاوى.. نحن نحصل على المساعدة التي نحتاجها».
لكن لا تهتم. حدث شيء سيئ للأشخاص البيض المحافظين، لذلك بالتأكيد يجب أن يكون التقدميون اليقظون هم المسؤولين.
وبالنظر إلى ما تعلمناه حول كيفية تعامل فوكس مع ادعاءات سرقة الانتخابات، فإنه رهان جيد على أن الشبكة والمعلقين اليمينيين الآخرين يعرفون تماماً أن اتهاماتهم بشأن الانحراف عن المسار اتهامات عديمة الجدوى. لكنهم يعرفون جمهورهم، وربما يعتقدون أنه من الجيد طرح نظريات المؤامرة العنصرية حتى لو لم تكن منطقية.
وبالطبع، من غير المفيد اللجوء إلى الطبيعة الأفضل لليمين. لكن اسمحوا لي أن أوجه نداءً إلى وسائل الإعلام الرئيسة: من فضلكم لا تتحدثوا عن هذا كما لو كان هناك جدل حقيقي حول من المسؤول عن كارثة إيست بالستاين.

بول كروجمان
أكاديمي أميركي حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»