مؤخراً تعرَّض قاربٌ يُقِلُّ أشخاصاً من عدة دول في أفريقيا وآسيا للغرق قبالةَ سواحل جنوب إيطاليا أثناء محاولتهم الهجرةَ نحو أوروبا بطريقة غير شرعية، مما أدى لمصرع ما لا يقل عن 100 شخص بينهم أطفال، الأمر الذي أثار مجدداً ملفَّ الهجرة غير الشرعية من سواحل بعض دول شمال أفريقيا على البحر الأبيض المتوسط إلى الدول الأوربية على السواحل المقابلة.

 وبحسب المراقبين فقد غرق ما لا يقل عن 200 ألف مهاجر في مياه البحر المتوسط منذ عام 2014 أثناء محاولاتهم الهروب من أوطانهم إلى مجتمعات جديدة بحثاً عن أوضاع معيشية واقتصادية أفضل. لكن هذا العددَ لا يقارَن بالمهاجرين الذين يتركون بلدهم الأصلي في أفريقيا ويذهبون إلى بلد آخر في نفس القارة.

فحسب الأرقام المعلنة، ينتقل غالبية المواطنين الأفارقة الذين يتركون بلادهم -طوعاً أو قسراً- إلى بلدان ومناطق أخرى مجاورة داخل القارة السمراء. ففي عام 2020، على سبيل المثال، ثبت أن 80% من المهاجرين الأفارقة لم يغادروا القارةَ، إذ ما تزال معظم الهجرات في أفريقيا تجري داخلها.

لكن قضية الهجرة غير الشرعية لها جوانب أخرى تقض مضجع الدول الأوروبية المستقبلة للمهاجرين، حتى ولو بأعداد قليلة، لأنه على سبيل المثال وحسب بعض التقارير، فإن استضافة النمسا 40 ألفَ مهاجر غير نظامي أمرٌ مثير لقلق سلطات فيينا بصورة أخطر وأكبر من استضافة أوغندا 1.3 مليون لاجئ. ولذلك أعلن الاتحاد الأوروبي في عام 2015 عن إنشاء صندوق الاتحاد الأوروبي الائتماني للطوارئ لأفريقيا (EUTF) وتخصيص ميزانية قدرها 5.2 مليار يورو لتحقيق أهداف الصندوق. وكان الهدف الرئيسي المعلن للصندوق الأوروبي هو معالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية من أفريقيا إلى أوروبا ومحاربتها.

وشملت بقية أهداف المبادرة إعادة المهاجرين ودمج مَن يَبقون منهم داخل المجتمع الأوروبي وخلق فرص عمل لهم، وتشريع المزيد من الوسائل القانونية للهجرة إلى أوروبا، ومنع ومكافحة التهريب والاتجار بالبشر، وتعزيز حماية الأشخاص الفارين من أوطانهم. لكن التقارير الرسمية الأوروبية أشارت إلى تحقيق نتائج أخرى غير المعلنة. فقد تمت إعادة توجيه معظم الموارد المالية للصندوق إلى مسارات أخرى أقل أولوية من الهدف المعلن، وبالتالي لم يتم تخصيص ميزانية الصندوق بالتساوي في أوجه الصرف.

وعلى الرغم من أن التقارير الأوروبية الرسمية الصادرة في عام 2018 أشارت إلى أن 10% من أموال الصندوق سيتم تخصيصها لخلق فرص عمل للمهاجرين والمساعدة في تنمية بلدانهم الأصلية اقتصادياً، فإن ربع أموال الصندوق تم إنفاقها لتعزيز نظم إدارة الهجرة داخل الدول الأوروبية المستقبلة للمهاجرين.

وبالتالي فإن الهدف المعلن، وهو «معالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية»، أصبح محل تساؤل، والسبب في ذلك -حسب العديد من المراقبين- أن الاتحاد الأوروبي انتهج سياسةً قصيرةَ المدى وليست طويلةَ الأمد لمواجهة الظاهرة.

وبمعنى آخر، كان رد فعل الاتحاد الأوروبي إزاء موجات الهجرة غير الشرعية سريعاً وغير مدروس بصورة كافية، لأن القضاء على الأسباب الجذرية يتطلّب إنهاء النزاعات الداخلية والتصدي للكوارث الطبيعية وخلق أنظمة اقتصادية أفضل.. في بلدان المهاجرين، والذين سيستمرون في محاولاتهم للوصول إلى دول أفضل حسب اعتقادهم.

*باحث إماراتي