إذا كان السيناتور جو مانشن لا ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية في عام 2024، فإنه لا يريدك أن تعرف. فهذا «الديمقراطي» (من ولاية فرجينيا الغربية) يرفض استبعاد محاولة ترشحه، ويظل من أشد المنتقدين للرئيس بايدن.

وبالنظر إلى الاهتمام الذي يثيره منافسٌ رئاسيٌ مستقلٌ، فإنه آن الأوان لأخذ هذه الإمكانية على محمل الجد. دور مانشن في مجلس الشيوخ المنقسم على نفسه بالتساوي خلال العامين الأولين من رئاسة بايدن جعل منه لاعباً مركزياً في واشنطن. ولهذا تدقق وسائل الإعلام، التي يلقبه بعضها بـ«رئيس الظل»، في كل كلمة يقولها.

وبالنسبة لسياسي يبلغ من العمر 75 عاماً، وقد قضى عقوداً وهو غير معروف نسبياً، فلا بد أن الأيام الأخيرة كانت أياماً مثيرةً بالنسبة له. تَبنِّي هذا الدور الذي يسَلَّط عليه كثير من الضوء ربما كان خطوةً مدفوعة بالأنا، لكنها تنم أيضاً عن ذكاء سياسي. فمانشن بالكاد فاز بإعادة الانتخاب في فرجينيا الغربية (الحمراء = الجمهورية) في سنة 2018، والتي كانت سنة انتخابية كبيرة بالنسبة للديمقراطيين. هذا في حين فاز دونالد ترامب بالولاية بنسبة 69 في المئة عام 2020، وهي نسبة أعلى بقليل من الأصوات التي حصل عليها في عام 2016. وكان مانشن يعلم أن عليه أن يجذب عدداً كبيراً من ناخبي ترامب أولئك، حتى تكون لديه فرصة في إعادة الانتخاب عام 2024.

ولهذا كان من المنطقي بالنسبة له أن يعارض جزءاً كبيراً من أجندة بايدن، بغض النظر عن مدى إغضاب ذلك للديمقراطيين. وهي فكرة نجحت لبعض الوقت. إذ بلغ معدل التأييد الشعبي لأداء مانشن 57 في المئة في أبريل 2022، بما في ذلك 69 في المئة من «الجمهوريين». لكن كل ذلك تبدد الآن بعد أن قرر دعم «قانون خفض التضخم» الذي تبناه بايدن. فقد انهارت معدلات شعبيته بعد أن هجره المستقلون والجمهوريون بشكل جماعي.

وبحلول نهاية العام، كان 40 في المئة فقط من سكان فرجينيا الغربية يدعمونه، أي ليس أكثر بكثير من الـ29 في المئة التي فاز بها بايدن في الولاية. ويُظهر استطلاع حديث للرأي أُجري لحساب جمهوريي مجلس الشيوخ، أن مانشن متأخر عن منافسه المحتمل، الحاكم الجمهوري جيم جاستس الذي انتهت ولايته، بـ10 نقاط. وإذا دخل جاستس السباق، فإن حظوظ مانشن ستكون ضئيلة إلى منعدمة. وهذا أحد الأسباب التي قد تدفع مانشن للترشح للانتخابات الرئاسية كمستقل. فهو ليس لديه مكان ليذهب إليه في ولايته. وفضلاً عن ذلك، تُظهر استطلاعات الرأي على نحو متزايد أن الناخبين أخذوا يصبحون مستقلين.

فقد وجد استطلاع للرأي لمؤسسة غالوب في فبراير أن 44 في المئة من الأميركيين يقولون إنهم مستقلون، أي أكثر بكثير من «الديمقراطيين» (28 في المئة) ومن «الجمهوريين» (27 في المئة). كما وجد استطلاع للرأي أُجري في مارس لحساب هارفرد-هاريس أن 53 في المئة من الأميركيين، بمن فيهم 60 في المئة من المستقلين، مستعدون للتفكير في إمكانية التصويت لمرشح معتدل ومستقل للانتخابات الرئاسية بدلاً من بايدن أو ترامب.

وهذا يشير إلى أن مانشن يمكن أن تكون لديه فرص أفضل في الفوز بسباق ثلاثي على البيت الأبيض من فرصه في حال ترشح لإعادة الانتخاب. وهناك سبب آخر لإمكانية تفكيره في إعلان ترشحه: إنه الغضب من بايدن. فقد انتقد البيتَ الأبيض لأنه حرض - كما يَفترض - على معارضته في ولايته، وتفاوض معه بشكل مخادع بشأن قانون بايدن الأصلي («قانون إعادة البناء بشكل أفضل»).

وفي الأسبوع الماضي، كتب مقالَ رأي في صحيفة «وول ستريت جورنال» يقول فيه إن تفسير بايدن لأحكام «قانون خفض التضخم» يشكّل «خيانة». وخلاصة القول، إن سياسياً محاصراً وغاضباً قد لا يرحل في هدوء. غير أن هناك العديد من الأسباب التي قد تجعله لا يكمل حملته حتى النهاية.

ومن ذلك أن بيانات مركز بيو للأبحاث تُظهر أن أكثر من 80 في المئة من الأشخاص الذين يقولون إنهم مستقلون يميلون إلى حزب أكثر من الآخر، وأن أولئك الذين يَبقون من دون تعلق بأحد الحزبين يميلون إلى امتلاك قدر أقل من الاهتمام بالسياسة. كما أن الحملات الانتخابية تميل إلى دفع المستقلين نحو أحد المرشحين الحزبيين.

وعلاوة على ذلك، فإن 3 في المئة فقط من الأميركيين كانت لديهم آراء سلبية عن كل من بايدن وترامب في 2020، و87 في المئة من ذاك العدد الصغير صوّتوا مع ذلك لصالح واحد من الرجلين. وعليه، يبدو أن فرصة مانشن الوحيدة في الفوز ستتطلب حظاً وافراً وظروفاً نادرةً، إذ سيكون على كلا الحزبين تعيين مرشحين يفتقران للشعبية ويلبيان حاجيات الجناح المتطرف في كل معسكر. كما سيكون عليهما خوض حملتين انتخابيتين سيئتين تفشلان في جذب المستقلين الذين يعودون في النهاية إلى الحزب الذي كانوا يدعمونه في السابق. وأخيراً، سيتعين على مانشن، على الأرجح، الترشح للانتخابات مع رفيقِ سباقٍ جمهوري في التذكرة الانتخابية حتى يستطيع أن يدّعي بشكل معقول أنه يمثّل كلا الجانبين. وإذا أضفنا إلى ذلك مئات الملايين من الدولارات التي سيحتاج لجمعها من أجل هذه المحاولة، فإن احتمالات استسلامه وفشله في النهاية تصبح واضحة.

لكن ذلك قد لا يمنعه من البحث عن الأضواء في الأشهر القليلة المقبلة. وفي حال أعلن ترشحه، سيكون مانشن أكثر مرشح رئاسي من خارج الحزبين خطورةً منذ محاولة نائب ولاية إيلينوي الجمهوري جون أندرسون المستقلة في عام 1980. وهذا لوحده من شأنه الإبقاء على اهتمام وسائل الإعلام في واشنطن متقداً، إذ ستطلب من مانشن المشاركةَ في برامج الأحد الحوارية.

وإلى ذلك، فإن مجرد احتمال صغير لإمكانية ترشحه يمنحه نفوذاً تفاوضياً مع الإدارة الحالية. وسيكون مخطئاً لو أضاع هذه الفرصة، ومانشن يعلم ذلك. وقد ينتهي المطاف بمانشن إلى مفاجأة المراقبين عبر القيام بمحاولة غير مجدية، إما لإعادة الانتخاب في مقعده بالكونغرس أو للتقدم نحو المنافسة على رئاسة البيت الأبيض. لكن الشيء الوحيد المؤكد هو أننا سنظل نتحدث عنه خلال الأسابيع والأشهر القادمة.

*زميل مركز الأخلاق والسياسة العامة في واشنطن.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»