الإنسان بطبعه كائن حكّاء يمتلك القدرة على التخيل وتحويل السرد الشفاهي أو المكتوب إلى صور ذهنية متخيلة، مما جعل للحكايات الشعبية أثراً كبيراً في المجتمعات، وتعتبر في بعض الأحيان مؤشراً لطبيعة منظومة القيم الأخلاقية والإنسانية في المجتمع.
إن ارتباطنا كأفراد بالحكايات هو ارتباط نفسي يستمد قوته من قدرة تلك الحكايات على ملامسة الذات الفردية للإنسان وبناء مشاعر متعددة تتماهى مع الحالة التي يعيشها الفرد. 
كانت الحكايات الشعبية، أو كما تسمى في الإمارات (الخروفة)، جزءاً أساسياً من مفردات اليوم. ومنبعاً رئيسياً للقيم، حيث كان التواصل الإنساني المباشر هو العنصر الغالب في الماضي قبل ظهور التليفزيون ثم شبكة الإنترنت وأتبعهما تغول شبكات التواصل الاجتماعي، فكانت الحكايات الشعبية مُعلماً رئيسياً للأطفال في تلك الأزمنة، فضلاً عن كونها وسيلة للترفيه والسمر في التجمعات المجتمعية، فماذا عن العصر الحديث؟
يواجه الطفل الإماراتي في العصر الحديث تحديات عدة تجعل أثر الحكايات الشعبية والخراريف ضعيفاً، ولا يكاد يساهم في المكون القيمي والأخلاقي له كما كان قديماً. يجب أن ندرك أن الحكايات لم تتوقف، ولم يتوقف فيض الحكي في البشرية. قد يتصور البعض أن شبكات التواصل الاجتماعي قضت على الحكايات وغيرت من الطبيعة الحكائية للبشرية، هذا من وجهة نظري تصور خاطئ لأنها تعتمد في المقام الأول على الحكايات والقصص التي يصنعها روادها، فالجميع على شبكات التواصل الاجتماعي ما بين حكاء وبين مستمع. 

التحدي الأخطر الذي تواجهه الحكايات الشعبية الإماراتية هو أن مصادر الحكايات تغيرت، وأصبحت الثقافات الأخرى هي المصدر لإشباع فطرة الاستماع للحكايات عند الطفل.
في البيت أصبحت المربيات صاحبات الثقافات المختلفة واللغة المغايرة مصدراً للحكايات التي يخضع لها خيال وعقل الطفل، وبالتأكيد ستكون حكاياتها مشبعة بثقافتها، والتي غالباً هي ثقافة مختلفة عن الثقافة الإماراتية، تزداد الإشكالية، فما عادت الأمهات يحكين لأبنائهن حكايات مستمدة من الموروث الإماراتي.
على شبكة الإنترنت، وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، يتعرض الطفل الإماراتي لسيل متدفق من الحكايات مختلفة المنابع الثقافية، عبر الانفتاح الكبير والحتمي الذي قدمته شبكات التواصل الاجتماعي للبشرية، والذي لا يمكن السيطرة عليه.
في المدرسة أصبحت المناهج الأجنبية هي الأكثر جذباً للآباء لتعليم أبنائهم، وبالتالي يتعرض الأبناء أيضاً في المدرسة للكثير من الحكايات التي تعبر عن ثقافات أجنبية أكثر منها تعبيراً عن الثقافة الإماراتية.
هذه التحديات الثلاثة التي تواجهها الحكايات الشعبية الإماراتية تحولها من فاعل في البناء القيمي والأخلاقي والهوياتي للطفل الإماراتي إلى مجرد روح للماضي لكن بلا أثر حقيقي في الحاضر، هذه حقيقة يجب أن نلتفت إليها جيداً وألا نغفل هذه التحديات ومواجهتها.
الانعكاس السلبي لتلك التحديات التي تواجه الحكايات الشعبية، يسهم في النهاية في بناء شخصية شبه مقطوعة الصلة بواحد من أهم موارد القيم الإماراتية، وهو الموروث الشعبي، ومما لا شك فيه أن حدوث خلل في علاقة الإنسان الإماراتي مع موروثه الشعبي وفي الوقت نفسه تأثره بالثقافات الأخرى سينعكس سلباً على علاقة الفرد بالمجتمع وقوة انتمائه للمجتمع، مما قد يُحدث في المستقبل تأثيراً سلبياً على الأمن المجتمعي. 
أعول كثيراً على المثقفين والمبدعين الإماراتيين في قيادة مشروع وطني لإعادة إحياء وإنتاج «الخراريف» الإماراتية بروح عصرية، توائم تغيرات وتطورات العصر والمزاج التخيلي لطفل العصر الحديث. ولابد أن تعيد الأسرة فكرة الحكي للأبناء، وأن تستعيد الأسرة الإماراتية تجمعها النفسي والفيزيائي الكامل بعيداً عن شبكات التواصل الاجتماعي، حتى نتفادى الآثار السلبية على الأمن المجتمعي.

*باحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي، أستاذ زائر بكليات التقنية العليا للطالبات، أستاذ زائر بجامعة الإمارات العربية المتحدة