انتهى العمل في الولايات المتحدة الأميركية بـ«البند 42»، وهو إجراء قانوني يعود تاريخه إلى سنة 1944، وقد ورد ضمن «قانون الصحة العامة»، إذ يمنح للسلطات الأميركية الحقَّ في فرض حالة الطوارئ لمنع انتشار الأمراض. وفي مارس 2020، استندت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى هذا القانون، في إطار سياستها لوقف تدفق أمواج المهاجرين القادمين عبر الحدود مع جارتها الجنوبية المكسيك، بحجة منع انتشار وباء فيروس كورونا، وهو ما مكّنها، وبحجة منع انتشار الوباء داخل البلاد، من منع دخول المهاجرين وطالبي اللجوء. وقد أبقت الإدارة الحالية للرئيس جو بايدن على العمل بذلك القانون في المناطق الحدودية للولايات المتحدة، مما أدى إلى طرد أكثر من مليوني مهاجر وطالب لجوء بين عامي 2021 و2022. ومع إعلان السلطات الفيدرالية الأميركية انتهاء العمل بإجراءات الوقاية من وباء كورونا، بات «البند 42» غير قابل للتطبيق، ولن تتمكن السلطات من استخدامه.
وتنقل لنا القنوات التلفزية الأميركية هذه الأيام لقطاتٍ من المدن والبلدات الحدودية توحي بارتفاع كبير في أعداد المهاجرين الوافدين عبر الحدود مع انتهاء العمل بهذا البند، خاصة وأن كثيرين ممن تم طردهم بموجب القانون المذكور بقوا في الحدود ينتظرون فرصةً تسمح لهم بالعودة إلى الولايات المتحدة.
وكما هو الحال في أوروبا، فقد أضحت الهجرة موضوعاً انتخابياً وسياسيا بامتياز خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، فالرئيس السابق ترامب يعتبر «البند 42» أحد «أنجح سياساته»، فيما ينتقد «الجمهوريون» بايدن الذي أعلن نيتَه إعادة الترشحَ لانتخابات عام 2024 الرئاسية، بسبب تراجعه عن السياسات المتشددة في ملف الهجرة للرئيس «الجمهوري» السابق ترامب.
وأظهر استطلاع للرأي أن 4 من كل 10 أميركيين يعتقدون أنه ينبغي السماح لعدد أقل من المهاجرين وطالبي اللجوء بدخول البلاد، كما أن حوالي ثلثي ناخبي الحزب الجمهوري يؤيدون هذا المطلب، في حين أظهرت الاستطلاعاتُ انقساماتٍ في صفوف «الديمقراطيين»، إذ اعتبر 37 في المائة منهم أنه على الولايات المتحدة استقبالُ المزيد من المهاجرين وطالبي اللجوء.
وأظن أنه مع إنهاء العمل «بالبند 42»، سيعود الرئيس بايدن إلى البروتوكولات السابقة، إذ ستقوم سلطاتُ البلاد إما بإبعاد المهاجرين من البلاد أو احتجازهم أو إطلاق سراحهم إلى حين النظر في قضاياهم أمام محاكم الهجرة.
والذي نلحظه هو أن قضية الهجرة تشكّل أكبرَ عقبة ليس فقط في قياس باروميتر شعبوية الرؤساء، ولكن أيضاً في مصير الحكومات، ونتذكر عندما استسلمت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، لضغوط حلفائها المحافظين، ووافقت على الحدِّ من عدد اللاجئين الذين تستقبلهم ألمانيا إلى 200 ألف لاجئ سنوياً. ولطالما ضَغَطَ حزب «الاتحاد الاجتماعي المسيحي» (البافاري)، وهو الحزب الشقيق لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» الذي كانت تتزعمه ميركل، من أجل وضعِ سقفٍ لعدد اللاجئين، لكن ميركل لم تستطع الاستمرار في مقاومة هذا الضغط، وبذلك أصبحت مسألةُ الهجرة وكيفية التعامل معها من أكبر العوامل المحدِّدة لمستقبل الإدارات والحكومات والأحزاب في أميركا وأوروبا. 

*أكاديمي مغربي