هناك خلط شائع بين النظام الدولي والنظام العالمي. لكن النظام الدولي يتكون من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، أما النظام العالمي فيضم هذه الدول، ومعها القوى الفاعلة الأخرى مثل الشركات والمصارف متعددة الجنسيات، والمنظمات غير الحكومية العابرة للحدود. وهذا التمييز بين الدولي والعالمي ضروري في أي استشرافٍ للمستقبل. لكن هذا الاستشراف يبقى صعباً أيضاً في حالة وضوح الفرق بين الدولي والعالمي بسبب حالة عدم اليقين الذي تُعد أبرز سمات المرحلة الراهنة. 
النظام الدولي مضطرب لأسباب أهمها الصعوبات التي تكتنف مرحلة تحوله التي قد تطول إلى أن يولد نظام جديد. وهو مخاض صعب يقترن باضطرابٍٍ في التفاعلات الدولية. ويُتوقع أن يزداد هذا الاضطراب في ظل تسارع سباق التسلح، واستسهال اللجوء إلى القوة المسلحة. وحرب أوكرانيا أحد أهم تجليات الارتباك المرشحة للازدياد. يصعب بعد عام ورُبع من نشوب هذه الحرب توقع متى ستنتهي وكيف، وهل ستبقى في حدودها الحالية أم ستتوسع، وهل يكون هذا التوسع جغرافياً عبر امتدادها إلى دول أخرى، أم تسليحياً من خلال استخدام أسلحة غير تقليدية. 
كما أن تصاعد التوتر حول وضع جزيرة تايوان، واشتداد الصراع الصيني الأميركي، سواء بشأن هذه القضية أو بسبب حدة التنافس الاستراتيجي في شرق آسيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ.. يزيد الارتباكَ في النظام الدولي، ويضاعف الإحساس بعدم اليقين.
وفي مقابل اضطراب النظام الدولي، يبدو النظام العالمي في حالة انكماش مقارنةً بما كان قبل عقدين. فقد توسعت تفاعلاتُ هذا النظام، وازدادت أهميتُها عقب انتهاء الحرب الباردة. وبدا أن التفاعلات الاقتصادية تكتسب أولويةً على المُحدِّدات الجيواستراتيجية. وظهر مصطلحُ الجغرافيا الاقتصادية للتعبير عما بدا أنه تطورٌ نوعيٌ جديدٌ، في مقابل الجغرافيا السياسية التي تصور كُثُرٌ في تسعينيات القرن الماضي أن أهميتَها تنحسر انطلاقاً من خبرة الحرب الباردة. لكن الجغرافيا السياسية تسترد الآن مكانتَها، وتستعيد أولويتَها في تحديد أنماط التفاعلات الدولية والعالمية على حساب العلاقات الاقتصادية والتجارية. ويُعد هذا التغير أهمَّ ملامح تقلص العولمة الآن مقارنةً بما كانت عليه عند تأسيس منظمة التجارة العالمية عام 1995.
ويعني هذا أن الدولةَ عادت لتكون الفاعلَ الأقوى في النظام العالمي، باستثناءات قليلة ترتبط بشركات التكنولوجيا فائقة التقدم عموماً، والمُطّوِرة لتقنيات الذكاء الاصطناعي خصوصاً. فالقوة الناتجة من القيمة التي تضيفها هذه الشركات لاقتصادات الدول الكبرى، والاقتصاد العالمي، تجعلها عصيةً على التنظيم حتى الآن.
ولهذا لن تتضح صورة النظام العالمي الجديد، وهل يبقى منكمشاً أم يتوسع وفي أي حدود، قبل انتهاء مرحلة الانتقال التي يمر بها النظام الدولي، وتجاوزه الاضطراب الراهن، واستقرار تفاعلاته في ضوء موازين قوى جديدة تُقر الدولُ الكبرى بها في اتفاقات تُعقد بينها. فالنظام الدولي لا يستقر، ويتجاوز أي مرحلة انتقال يمر بها، إلا عند تجسيد موازين القوى الجديدة في أُطُرٍ تعاقدية وتنظيمية. 

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية