ففي السنوات الخوالي، كُنتُ أتردد كثيراً على مدينة رورموند-Roermond الهولندية الخلابة بطبيعتها عبر مسافة تتراوح بين الخمسين والستين كيلومتراً من محل إقامتي بمدينة دوسلدورف الألمانية، وتتميز رورموند بوجود سوق الأوت لِت-Outlet الزاخر بمختلف الماركات والملاصق لمركز المدينة، والذي قد احتضن مدةً لعرض سيارة تسلا-Tesla، شاهدت فيها السيارة لأول مرة.

وبينما كان يدور العرض حول البطارية وقوتها وجودة ومميزات السيارة، خرج سؤال من أحد المحتشدين حول السيارة، هل البطارية تتكون من مواد متجددة ومستدامة؟، وعلى هذا السؤال تدور المقالة. فالطاقة النظيفة المتولدة من طاقة الرياح والشمس تحتاج إلى بطاريات ضخمة وكثيرة جداً لتخزين الطاقة، وهذه البطاريات يدخل في صناعاتها مواد ومعادن عديدة أهمها على الإطلاق معدن الليثيوم المستخدم في بطاريات الهواتف والحواسيب المحمولة والسيارات الكهربائية وغيرها الكثير من الأجهزة.

ورغم إمكانية توليد الطاقة من الشمس والرياح بدون البطاريات، إلا أننا نحتاج للبطارية في الفترات التي ليس بها شمس مثل الليل وفترة الصباح الباكر، إلى جانب الكثير من الآلات التي تحتاج إلى تحكم متقطع في الاستخدام حسب الحاجة.

وفي أهمية الليثيوم لصناعات البطاريات نكتشف بأنهُ معدن غير متجدد، ويكثر في رقعة جغرافية دولية معينة كدول أميركا اللاتينية، خاصةً مثلث الليثيوم في بوليفيا والأرجنتين وتشيلي، وحتى الآن تشيلي تمتلك ثلث احتياطي الليثيوم في العالم، وفي أهمية هذا المعدن المتزايدة قامت المكسيك مؤخراً بتأميمهِ، كما أن النفط الأبيض «الليثيوم» كما يطلق عليه غيّر من النظرة السياسية إلى أفغانستان وحكومة «طالبان» كونها تمتلك ثاني أكبر احتياطي لمعدن الليثيوم بعد تشيلي، إضافة إلى ذلك، قدم الليثيوم جائزة نوبل 2019 لثلاث علماء في الكيمياء لتطويرهم الليثيوم.

يجادل بعض المتخصصين بأن الليثيوم الموجود لا يكفي العالم مع التزايد الضخم في الإنتاج والاعتماد على البطاريات مع حقيقة عملية استخراجهُ يلوث البيئة ويستنزف المياه الجوفية، كذلك، عملية تدوير البطاريات والألواح الشمسية.

ومن عيوب الطاقة النظيفة أنها تأخذ رقعة جغرافية كبيرة في مولدات الطاقة من الرياح والألواح الشمسية مُؤثرةً سلباً على قطاع الزراعة والحياة البيئية والعمرانية، وهذا يدفعنا إلى فحص حقيقة هذه المعادلة، التي تقول «بأن معظم الدول ستحتاج ربع مساحتها للألواح الشمسية لتوليد الطاقة اللازمة»، مقابل ذلك، من الطبيعي أن تجد الدول الصغيرة والمتوسطة المساحة نفسها أمام بدائل أخرى أقل تكلفة للطاقة كالمفاعلات النووية والاستمرار في طاقة النفط والغاز لتوفير المساحة الجغرافية.

ولعل هذه المعادلة تصدق مع حلقات الاعتماد المتبادل بين إسرائيل والأردن فالأولى تزود الثانية بالمياه مقابل تزويدها بالطاقة الشمسية، كما فرنسا المعتمدة على الطاقة النووية مازالت تحاول إدراج الطاقة النووية تحت الطاقة النظيفة بالإطار الأوروبي، ويحضرنا هنا فكرة التبعية الأمنية بين أوروبا وأفريقيا في فكرة توليد الكهرباء بالألواح الشمسية من دول شمال أفريقيا ذات الصحراء الشاسعة القريبة من أوروبا الغربية.

*كاتب ومحلل سياسي