عندما بدأ دونالد ترامب صعوده السياسي، كان من المألوف أن يعزو المعلّقون السياسيون الدعم الذي يحظى به إلى «قلق اقتصادي»، وأن يعتبروا أن شعار «ماجا» («اجعلوا أميركا عظيمة من جديد») يمثّل رداً يمكن تفهمه، بل ربما رداً معقولاً على تراجع التصنيع وفقدان الوظائف في الداخل الأميركي. اليوم لم يعد المرء يسمع ذلك كثيراً. 
غير أنه صحيح أن ترامب نفسه كان مهووساً بالعجز التجاري، وأنه إذا كانت لديه بالفعل أي أفكار غير أرثوذكسية بخصوص السياسات، فإنها تركزت على محاولات إعادة إحياء القطاع الصناعي. وهذا على الأقل كان السبب الرئيسي للحرب التجارية التي بدأها مع الصين في 2018. 
وكما اتضح لاحقاً، لم يحقق ترامب أي نجاح واضح في دعم التصنيع. ولكن شيئاً طريفاً حدث في عهد خلفه: إذ فجأة ارتفعت الاستثمارات في قطاع الصناعة. وعليه، فإن ما لم تحققه سياسات ترامب التجارية حققته سياسات الرئيس بايدن الصناعية. 
والواقع أن الأرقام مذهلة، فقانون ترامب لخفض الضرائب الصادر عام 2017، والذي سُوِّق له باعتباره طريقة لدعم الاستثمار الأميركي، لم يفرز أي تأثير واضح وملموس. وكذلك الحال بالنسبة للحرب التجارية التي انطلقت بشكل قوي في منتصف 2018. ولكن في عهد بايدن، ازداد البناء الصناعي، كما يسميه بعض الأشخاص. وتضاعف خلال العام الماضي فقط. 
ولكن الأرقام الخام بالدولار قد تكون مضللة، خاصة حينما ينظر المرء إلى المدى الطويل، فالإنفاق ينبغي أن يقارن بحجم الاقتصاد بشكل عام، ومع ذلك، يظل الأمر مبهراً حقاً. وليس هناك أي شك بشأن أسباب هذا الارتفاع الذي يحرّكه تشريعان رئيسيان هما: «قانون خفض التضخم» الذي يحمل اسما مضللاً، والذي يشكّل دعمُ الطاقة الخضراء جوهره الحقيقي، و«قانون خلق حوافز مفيدة لإنتاج أشباه الموصلات»، والذي من المفترض أن يحمي الأمن القومي الأميركي عبر تعزيز الإنتاج المحلي للرقائق. 
التأثير الأكبر لهذه السياسات من شبه المؤكد أنه سيكون أكبر بكثير مما توحي به هذه الأرقام، وذلك على اعتبار أن التخطيط وبدء العمل في مصانع جديدة يستغرق وقتاً، وبالتالي، فربما هناك مزيد من الإنفاق في المستقبل القريب، وكذلك على اعتبار أن هذه الأرقام تشمل البناء فقط - مباني المصانع، بشكل أساسي. وربما يؤدي ملء تلك المباني بالآلات والاستثمار في البحث والتطوير من أجل تحقيق أقصى قدر ممكن من الاستفادة من السعة الجديدة إلى إضافة مئات المليارات إلى إجمالي إنفاق الشركات. 
لماذا تُنتج سياساتُ بايدن انتعاشاً صناعياً بينما لم تنتجه سياسات ترامب؟ الواقع أن سياسة ترامب التجارية كانت بكل بساطة تفتقر للكفاءة والفعالية، نظراً لأنها رفعت الرسوم الجمركية على المدخلات الصناعية، وكذلك على السلع الاستهلاكية، وزادت التكاليف، وقد تكون قلّلت عدد الوظائف في القطاع الصناعي. وعلاوة على ذلك، فإن قانون ترامب لخفض الضرائب بُني على اعتقاد بأنه إذا سُمح للشركات بالاحتفاظ بقدر أكبر من أرباحها، فإنها ستستثمر تلك الأموال بدلاً من أن تستخدمها في إعادة شراء الأسهم، مثلاً. ولكنه اعتقاد تبيّن أنه خاطئ. 
وبالمقابل، تركز سياساتُ بايدن الصناعية عموماً على خلق الطلب على المنتجات المصنعة الأميركية، وذلك من خلال دعم شراء السيارات الكهربائية مثلاً. ثم إن استثمار الشركات ولئن كان أقل حساسية لمعدلات الضرائب من الاعتقاد السائد، فإنه يستجيب كثيراً للطلب. 
ولهذا، نشهد حالياً انتعاشاً كبيراً في قطاع الصناعة. 
الآن، هناك إمكانية أن يبدو ما أقوله مغرقاً في التفاؤل. ولهذا دعوني أقدِّم في ما يلي تحذيرين رئيسيين بشأن طفرة التصنيع التي تحدث تحت رئاسة بايدن.
أولاً، حتى إذا كان لدينا بالفعل انتعاش كبير في التصنيع، فإننا لن نعود إلى 1970، عندما كان أكثر من ربع العمال الأميركيين يعملون في التصنيع. فنحن سنظل اقتصاد خدمات عموماً رغم هذه السياسات الجديدة. والواقع أن طفرة التصنيع الجديدة قد تساعد المناطق المتأخرة في الولايات المتحدة، وهي تهدف بشكل خاص إلى مساعدة العمال الذين لا يملكون شهادات جامعية. غير أنه لا ينبغي لأحد أن يتوقع منها أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء بخصوص انتقالنا نحو مجتمع ما بعد الصناعة. 
وثانياً، إن النمو السريع في قطاع من القطاعات لا يُعد أمراً جيداً بالضرورة للاقتصاد. وعلى سبيل المثال، فحتى الأمس القريب، كان هناك انفجار في الموارد المخصصة لتعدين البيتكوين. وفي تقديري الخاص، فإن هذه الموارد لم تُنتج أي شيء ذي قيمة. ثم إن طفرة البيتكوين تسببت في ضرر للبيئة وفي استهلاك الموارد التي كان من الممكن استخدامها لإنتاج أشياء مفيدة في الواقع. 
ولكن، لماذا ينبغي أن نعتبر الطفرة التصنيعية المدفوعة بسياسة بايدن الصناعية شيئاً جيداً؟ السبب الرئيسي هو أنها جزء من عملية انتقال نحن في أمس الحاجة إليها نحو الطاقة المتجددة، والتي قد تكون فرصتنا الأخيرة لتجنب كارثة مناخية. ثم إن الزيادة في الاستثمار الصناعي الأميركي بشكل خاص تعكس جزئياً الجوانب الحمائية للتشريعات التي تعتبر شيئاً سيئاً من حيث الكفاءة الاقتصادية، ولكنها كانت ضرورية للصفقات السياسية التي أُبرمت وأتاحت معالجة تغير المناخ أصلاً. 
وعليه، فالقصد هنا هو أن نجاح سياسة بايدن الخاصة بالتصنيع لا يمكن الحكم عليه فقط من خلال أرقام الاستثمار المبهرة جداً، غير أنه من الواضح أن السياسة الحالية كانت ستُعتبر فاشلة لو أنها لم تُنتج طفرة صناعية. وعليه، فإن حدوث الطفرة خبرٌ سار، بل إنه يتجاوز حتى أكثر التوقعات تفاؤلاً. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز 
https://www.nytimes.com/2023/06/06/opinion/biden-trump-ira-chips-manufacturing.html