تشير أنباء ترد من أسواق العملات والأموال الغربية إلى أن قيمة سعر صرف دولار الولايات المتحدة قد تراجعت بنسب ملحوظة من أعلى مستوى لها كانت تقف عنده أمام العملات الرئيسية الأخرى في الفترة القريبة الماضية. وتشير تراجعات الدولار التاريخية إلى أن مثل هذا التراجع لم يحدث منذ ربع قرن تقريباً.
خبراء غربيون متخصصون في أسعار صرف العملات يرون بأن هذا التراجع يحدث بسبب تباطؤ معدلات التضخم في اقتصاد الولايات المتحدة، فهذه المعدلات التي كانت تتزايد بوتيرة متسارعة عادت إلى التباطؤ بأكثر من المتوقع، ما قاد إلى سرعة هبوط سعر صرف الدولار في مقابل العملات الرئيسية، اليورو الأوروبي والجنيه الاسترليني والين الياباني، وإلى حد ما اليوان الصيني والروبل الروسي.
ويعد هذا الانخفاض مؤشراً إيجابياً بالنسبة لاقتصاد الولايات المتحدة، لكنه مؤشر سلبي بالنسبة لاقتصادات دول أخرى في مناطق كثيرة من العالم، خاصة دول الاتحاد الأوروبي واليابان والصين.
أما بالنسبة لدولة الإمارات، فإن الموضوع مهم لأن عملتها الوطنية الدرهم مرتبطة بالدولار، وتقوم دولة الإمارات بتسعير وبيع منتجاتها من النفط والغاز مقابل الدولار ما يجعل من حركة سعر صرف الدولار هبوطاً أو صعوداً موضوعاً حيوياً. وعلى أية حال، موضوع سعر صرف الدولار في الولايات المتحدة بتخفيضه مقابل العملات الرئيسية شأن سياسي أكثر من كونه اقتصادي ومالي بحت، وتقوم الإدارات الأميركية بتعاقبها ما بين «جمهوريين» و«ديمقراطيين» بالعمل على خفض سعر صرف الدولار لتحجيم قدرة المنافسين التجاريين لبلادهم كالصين ودول الاتحاد الأوروبي واليابان وعدد من دول شرق آسيا وجنوب شرقها، وبهدف زيادة صادرات الولايات المتحدة إلى الخارج لتخفيف العجز في الميزان التجاري.
يرى عدد من المسؤولين في الإدارة الأميركية «الديمقراطية» الحالية بأن العجز في الميزان التجاري لا يمكن خفضه ما لم يتم تخفيض قيمة الدولار بالإضافة إلى خفض الكميات المستوردة من النفط من دول الخليج العربي وأفريقيا ودول أميركا الجنوبية. ورغم أن الإدارة الأميركية لم تتخذ موقفاً حاسماً من عجز الميزان التجاري؛ إلا أنها لا تبدي حماساً بهذا الصدد، فهي ترى أن تخفيض استهلاك الطاقة أمراً ضرورياً، لكن ذلك يجب أن يتم وفقاً لجدول زمني طويل الأمد تجنباً لحدوث تململ وتوترات من قبل أفراد المجتمع الحساسين تجاه هذه المسائل التي تطال حياتهم المعيشية وحركتهم اليومية وتدفئة منازلهم وإنارته واشتغال أعمالهم.
وفي الوقت نفسه، فإن مسألة معالجة العجز في الميزان التجاري مطروحة على الساحتين السياسية والاقتصادية بقوة، خاصة وأن البلاد مقبلة في العام القادم 2024 على انتخابات رئاسية وبرلمانية.
وبعكس ما اتبعته الإدارة «الجمهورية» السابقة في عهد الرئيس دونالد ترامب تستبعد الإدارة «الديمقراطية» الحالية ما يقترحه عدد من الاقتصاديين المرموقين من ذوي النفوذ بضرورة فرض حواجز جمركية عالية للحد من استيراد السلع والبضائع الآتية من الخارج إلى أسواق الولايات المتحدة من الصين ودول الاتحاد الأوروبي واليابان وعدد من دول العالم النامي في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية.
ويبدو بأن الإدارة قلقه من الآثار السياسية السلبية لهذه الخطوة على علاقات الولايات المتحدة بشركائها وحلفائها من الدول الصناعية، وتلك المصدرة للمواد الخام، فأي قرار في هذا الاتجاه قد يؤدي إلى ردود أفعال عكسية مشابهة ضد المنتجات الأميركية، ما قد يؤدي إلى اشتعال حرب تجارية وجمركية تؤثر سلباً على حركة التجارة العالمية وتضر بمقولات العولمة وحرية التجارة التي تنادي بها الولايات المتحدة، وتثير أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية في داخل الدول الحليفة للولايات المتحدة، التي يعاني عدد منها حالياً من أزمات ومشاكل واضطرابات اقتصادية كبريطانيا واليابان وعدد من دول الاتحاد الأوروبي.
*كاتب إماراتي