في هذه الأيام، يشهد الكثيرون اهتماماً متزايداً بظاهرة التغير المناخي، إلا أن هذه الظاهرة لم تكن جديدة على العلماء والحكومات، وخاصة في العالم الغربي. فقد أُجريت العديد من الدراسات منذ بدايات الألفية التي تنبأت بحدوث تغيرات كبيرة في درجات الحرارة على مستوى العالم.

ومن ثم، سيكون لهذه التغيرات تأثيرات ليست محصورة فقط في المجال البيئي، بل ستمتد أيضاً إلى الجوانب الجيوسياسية والأمنية. ومع استمرار تأثيرات التغير المناخي، ستشهد المنافسة على الموارد المحدودة تصاعداً، وسيتحوّل الصراع إلى قضية بقاء. ومن بين القضايا الحاسمة التي ستنشأ نتيجة هذا الصراع: النزوح والهجرة، والتوترات الجيوسياسية، بالإضافة إلى مخاطر أمنية متعددة.

من بين الأبحاث البارزة التي أُجريت حول هذا الموضوع، تبرز دراسة أجرتها وزارة الدفاع الأميركية في عام 2003 والتي أشرف عليها أندرو مارشال، الذي شغل منصب مدير مكتب التقييمات الاستراتيجية التابع للوزارة. هذه الدراسة تلقي الضوء على تغيرات متوقعة في درجات الحرارة على مستوى العالم، مشيرة إلى أن بعض الدول ستواجه انخفاضاً غير اعتيادي في درجات الحرارة، بينما ستعاني دول أخرى ارتفاع درجات الحرارة وزيادة في الجفاف، وهذا الأمر سينطبق بشكل خاص على مناطق، مثل الشرق الأوسط والعالم العربي، التي ستشهد ارتفاعاً في درجات الحرارة وتفاقم الجفاف. تناقش الدراسة مخاطر أمنية عديدة، مثل الأمن الغذائي والمائي، التي قد تؤدي إلى تداعيات منها النزوح والهجرة، ونتيجة هذا التطور قد تنشأ توترات جيوسياسية.

على سبيل المثال، ستكون الدول المتواجدة على ضفاف نهر النيل في منافسة محتملة من أجل الحصول على نصيب أكبر من المياه في ظل الجفاف المحتمل. كما ستواجه دول، مثل دول شرق أوروبا صعوباتٍ في توفير احتياجات شعوبها بسبب ندرة الموارد، في حين قد تظل الدول المجاورة، مثل روسيا غنية بالطاقة والمياه، مما قد يشجع سكان هذه الدول على اللجوء أو الانتقال في هجرة جماعية إلى روسيا.

وسط هذه الوتيرة المتجددة للصراعات، نجد أن دولة الإمارات بسياستها الاستباقية واستشرافها للمستقبل واعية لكل ما سيحدث، لذلك تقوم باستثمار عوائد النفط لتمويل مشاريع الطاقة البديلة، مثل الهيدروجين الذي سيكون هو مستقبل الطاقة في العالم. بالإضافة إلى ذلك تسعى دولة الإمارات جاهدة لتكون في طليعة الدول في المنطقة من خلال تنمية البنية الصناعية، وتقديم وسائل النقل والتكنولوجيا التي تُحافظ على البيئة.

يبدو أن هذا الاهتمام الذي توليه الإمارات لهذه المجالات قد يكون رداً على احتمال تحكم الغرب في تلك التقنيات، وخاصة في فترات الأزمات. نجد أن ظاهرة التغير المناخي لها تأثيرات جيوسياسية وأمنية وأخرى بيئية، مما يستدعي الحاجة لسياسات استباقية وتخطيط مستدام، كما تقوم به دولة الإمارات، لتجنب تكاليف التأخير الباهظة.

* باحثة سعودية في الإعلام السياسي