أحياناً أتحدث عن التضخم مع أناس حقيقيين لا يدققون في تقارير مكتب إحصاءات العمل أو يجادلون حول المزايا النسبية للتضخم المتوسط، المتقلص مقابل اتجاه التضخم الأساسي متعدد المتغيرات. صحيح أن الناس لا يختلفون بالضرورة مع الافتراض القائل بأن التضخم ينخفض، لكنهم يتحدثون حتماً عن كلفة مواد البقالة.

إنها نقطة وجيهة. وهناك تحيز سلبي في التصورات عن تضخم المواد الغذائية، وتعطي القفزات الكبيرة انطباعاً أقوى من الانخفاضات الكبيرة. وعلى سبيل المثال، حظي التصور التشاؤمي لعام 2022 باهتمام أكبر بكثير من سير الأمور سريعاً نحو الأوضاع الطبيعية لعام 2023. ومن الصحيح أن أسعار البقالة ارتفعت بشكل كبير أكثر من متوسط أسعار المستهلك منذ عشية الجائحة. لكن لماذا؟ هل يمكننا إلقاء اللوم على اقتصاد إدارة بايدن؟ أم أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية هو مثال على «تضخم الجشع»، والتضخم الناجم عن التلاعب بالأسعار؟ لا، قطعاً.

فربما كان للصعود الاقتصادي في عهد الرئيس جو بايدن بعض التأثير الهامشي على أسعار المواد الغذائية، خاصة لأنه أدى إلى مكاسب كبيرة في أجور العمال ذوي الأجور المنخفضة، بما في ذلك العمال في متاجر البيع بالتجزئة. وأنا لا أستبعد احتمال أن بعض اللاعبين الكبار في تجارة المواد الغذائية قد استغلوا التضخم العام لاستغلال قوتهم السوقية أكثر من المعتاد.

لكن النقطة الأساسية التي يجب أن نفهمها بشأن تضخم أسعار المواد الغذائية هي أنه ظاهرة عالمية، خارجة عن سيطرة أي حكومة واحدة، وتتخطى سياسات التسعير حتى أكبر الشركات. ونظراً للارتفاع الهائل في الأسعار العالمية، فكيف يمكن ألا ترتفع الأسعار في الولايات المتحدة كثيراً؟ في الواقع، كانت هناك ارتفاعات كبيرة في أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم، كما حدث في أوروبا، على سبيل المثال. والأسعار التي يدفعها المستهلكون الأميركيون الآن مقابل الغذاء لم تتبع عن كثب مؤشر الأسعار العالمي، وبشكل عام ارتفعت بنسبة أقل. لكن هذا ليس مفاجئاً، لأن المؤشرات تقيس أشياء مختلفة نوعاً ما.

فالبنك الدولي يقدر أسعار المواد الغذائية الخام، في حين يقدر مكتب إحصاءات العمل أسعار الأطعمة المشتراة. ويؤدي هذا التمييز إلى إحداث فجوة بين الأسعار العالمية والأسعار التي يدفعها المتسوقون، وهذا بدوره يعني أن العوامل غير العالمية قد تلعب دوراً ما في تضخم مواد البقالة. وعلى سبيل المثال، استشهدت إحدى التدوينات في مدونة البيت الأبيض حول أسعار البقالة، من بين أشياء أخرى، بأن «الجائحة حفزت على تحول الطلب على الغذاء من المطاعم إلى محلات البقالة».

وهذه نسخة من مشكلة ورق دورات المياه. وكان جزء من المشكلة هو أن ورق دورات المياه الذي يشتريه المرء في المتاجر يختلف عن الورق المباع للشركات والمطاعم، وحين بدأ الملايين من الناس فجأة في البقاء في المنزل، وجدت الصناعة نفسها مؤقتاً تنتج النوع الخاطئ. وظهرت مشكلات مماثلة حين توقف الناس عن تناول الطعام في الخارج واشتروا طعاماً أكثر لتناوله في المنزل.

ويتضمن إدخال الطعام في عربة التسوق أيضاً كلفة أخرى، بالإضافة إلى سعر السلع الغذائية. ومن بين هذا كلفة العمالة. ويكسب موظفو متاجر التجزئة في مجال المواد الغذائية أجوراً منخفضة بشكل ملحوظ، لكن أسواق العمل الضيقة أدت إلى مكاسب كبيرة للعمال ذوي الأجور الأسوأ، مما لا بد أن يكون له بعض التأثير على أسعار المستهلك. ونعم، ربما كان هناك بعض التلاعب في الأسعار. لكنها لا يمكن أن تكون مركزية في القصة.

ولو كان الأمر كذلك، لما رأينا أسعار البيض تنخفض بالسرعة التي ارتفعت بها. ومن ثم، فإن تضخم أسعار الغذاء هو في الأساس قصة عالمية. لكن ما الذي تسبب في ارتفاع أسعار الغذاء العالمية؟ يبدو أنها كانت عاصفة كاملة من الأحداث المعاكسة (بما في ذلك العواصف الفعلية). وكان على رأس القائمة الحرب في أوكرانيا.

فبعد سقوط الاتحاد السوفييتي، استعاد حزام «التربة السوداء» الذي يمتد عبر أوكرانيا وروسيا وكازاخستان دوره التاريخي كواحد من أعظم المناطق الزراعية في العالم، لكنه أصبح الآن منطقة حرب مرة أخرى. وكانت العملية العسكرية في  أوكرانيا أيضاً أحد العوامل، وإن لم يكن العامل الوحيد، في الارتفاع غير العادي في أسعار الأسمدة. لماذا؟ لأن روسيا تعتبر نفسها مُصدِراً رئيسياً للأسمدة، وكان الغاز الطبيعي الروسي من المدخلات المهمة في إنتاج الأسمدة في أوروبا. ولهذا ربما تدركون السبب الذي دفعني للقول إن روسيا قد تكون الحكومة الوحيدة القادرة على إحداث تأثير كبير على تضخم الغذاء العالمي.

وسنرى بالتأكيد بعض الراحة إذا توقفت الحرب. وأخيراً وليس آخراً، أدت سلسلة من الأحداث المناخية المتطرفة، التي زاد احتمال حدوثها بسبب تغير المناخ إلى تعطل الإنتاج الزراعي في أماكن كثيرة. وخلاصة القول هي أنه على الرغم من أن كثيرين من الناس يرغبون في إلقاء اللوم على شخص ما بسبب ارتفاع أسعار البقالة، لكن من الصعب حقاً العثور على أشرار محليين.

وعلى الرغم مما يدعيه اليمين الأميركي، فإن بايدن لم يفعل ذلك. وعلى الرغم مما يود البعض من اليسار تصديقه، لم تفعل أي من الشركات الجشعة، على الأقل الجزء الأكبر منها. وفي بعض الأحيان، هذه الأشياء تحدث وكفى.

*أكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

 

: https://www.nytimes.com/2023/08/08/opinion/inflation-us-groceries-economy.html