مع اقتراب الشتاء في نهاية عام 2023، تبدو سوق الطاقة العالمية هادئة، خاصة على صعيد مصادرها من النفط والغاز. هذا الهدوء حاصل رغم أن قدر من الصادرات متوقفة في الواقع العملي جراء توقف الصادرات الروسية من الغاز والنفط المتجهة إلى بعض الدول الأوروبية عبر الأنابيب المتجهة من روسيا إلى عدد من دول أوروبا.

وبالإضافة إلى ذلك، تتعرض بين الفينة والأخرى سفن محملة بالنفط للإيقاف والاحتجاز وهي تعبر خارجة من مضيق هرمز الاستراتيجي في مدخل الخليج العربي، بما يحمله ذلك من تهديد لتدفقات مصادر الطاقة من دول الخليج العربي إلى بقية دول العالم وأسواقه.

وبينما تستمر كل من روسيا وأوكرانيا في حربهما الضروس الآخذة في الاتساع والكبر والتدحرج ككرة الثلج، تبدو روسيا وهي راغبة عن قصد في إيقاف صادراتها من الغاز والنفط إلى دول أوروبا التي تعتمد كثيراً على هذا المصدر الحيوي لاستيراد ما تحتاجه من طاقة. النفط والغاز الروسيان كانت شحناتهما تتدفق عبر خطوط أنابيب مباشرة تلغي تكاليف الشحن والنقل والتخزين وتقلل مخاطر الطريق، بالإضافة إلى الأسعار التفضيلية التي كانت روسيا تبيع بها منتجاتها النفطية وغازها إلى الدول الأوروبية.

وربما أن روسيا لديها أهدافها الاستراتيجية الأبعد مدى من تلك التي تبدو على السطح حالياً. من تلك الأهداف الرغبة في معاقبة الدول الأوروبية التي تدعم أوكرانيا في الحرب الدائرة حالياً.

إن ذلك يمكن أن يتم عن طريق التضييق عليها في جوانب الطاقة، والهدف الأول هو استنزاف مخزونات النفط والغاز التي لدى الدول والشركات الأوروبية التي وصلت إلى مستويات قياسية قبل نشوب الحرب، تلك المخزونات كانت كافية لمقابلة الاستهلاك في حينه، وكانت موزعة بين ما هو موجود منها على اليابسة أو على ظهر السفن وفي بطونها، أو تلك التي هي في طريقها من الآبار عبر الأنابيب من روسيا إلى أوروبا. إن استنزاف تلك المخزونات سيجعل من الدول المعنية شديدة الظمأ إلى مصادر الطاقة بعد أن تنتهي عقودها الحالية مع روسيا.

ومن المحتمل جداً أنه بعد انتهاء الحرب ستبحث روسيا لنفسها عن عقود جديدة وبشروط جديدة، أو هي بصدد ذلك منذ اللحظة، لدى دول ليس لديها مخزونات ضخمة تساوم بها على الأسعار وشروط العقود. عندها ستقوم روسيا بعرض شروطها هي على الدول الأوروبية، خاصة تلك التي وقفت مع بقوة في صف أوكرانيا.

وفي الوقت الراهن تتجه روسيا بمبيعاتها إلى أسواق الشرق في الصين والهند وعدد من دول شرق وجنوب آسيا التي معظمها لا تتوقف عن الطلب لمصادر الطاقة في كل مكان وتشتري ثم تسأل: هل من مزيد؟ الأمر الثاني، هو انخفاض الطلب العالمي، خاصة أن الحرب اندلعت وجائحة «كوفيد- 19»، لم تكن قد أدبرت والاقتصاد العالمي شبه متوقف. إن الطلب المنخفض يُمكّن من بناء مخزونات احتياطية في أوقات الظروف الاقتصادية السلبية حين تتعرقل عجلة الإنتاج، وصناعة النفط تقوم بتقدير أن الاستهلاك يبلغ مستويات متدنية، وتقوم بقياس ذلك بمدد زمنية معينة وفقاً لحالة الاقتصاد العالمي ارتفاعاً أو انخفاضاً.

في مثل تلك الظروف لا تتوقع الدول المنتجة، وتجار النفط زيادة في الطلب على المديين القصير والمتوسط، وقد تتوقع مزيداً من الانخفاض. وبسبب «كوفيد- 19»، قامت الدول المنتجة بتخفيض الإنتاج والصادرات منعاً لتدهور الأسعار نتيجة لتضخم المخزون الاحتياطي، وزيادة المعروض، وانخفاض معدلات الاستهلاك. أما الأمر الثالث والأخير، فهو كميات الإنتاج الزائدة التي أدت إلى تراجع الأسعار.

فزيادة الإنتاج، وتجاوز الحصص المخصصة، وقيام منتجين بزيادة إنتاجهم رغبة في الاستفادة من السعر المرتفع، ونقص المعروض، شكلت حاجزاً يحول دون الاضطرار إلى اتخاذ إجراءات مشددة. ويحدث هذا عندما تصبح دول منتجة راغبة في تجيير الزيادات الإضافية في صالحها، دون النظر لمصالح الآخرين أو توازنات السوق.

*كاتب إماراتي