إذا كانت معركة الرئاسة الأميركية قد بدأت مبكراً، في مايو الماضي، من خلال أزمة رفع سقف الدَّين العام الذي بلغ حينذاك 31.4 تريليون دولار، مهددة بكارثة اقتصادية لو لم يتم الاتفاق بين الحزبين «الديمقراطي» و«الجمهوري» على قرار وافق عليه الكونغرس، برفع سقف الدَّين حتى العام 2025، إلا أن مسار السباق الرئاسي استمر، والخلاف يشتد بين الحزبين في كل «محطة مالية»، وهي تتفاعل حالياً بعد بلوغ حجم الدين 33 تريليون دولار.

وفي الوقت نفسه، تتجه الحكومة إلى «الإغلاق»، بدءاً من منتصف ليل السبت في أول أكتوبر (اليوم السبت)، وهو بداية السنة المالية الفيديرالية، مما يهدد بوقف الرواتب عن ملايين الموظفين الفيديراليين بما في ذلك أفراد الجيش، إضافة إلى عقبة كبيرة تتمثل في استئناف مدفوعات القروض الطلابية الفيديرالية التي تؤدي إلى تحويل نحو 100 مليار دولار من جيوب الأميركيين في العام المقبل، إذا لم يتوصل المشرّعون إلى خطة إنفاق، يوقعها الرئيس جو بايدن لتصبح قانوناً. لكن يبدو أن تحقيق ذلك، دونه انقسام الكونغرس بين مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه «الديمقراطيون»، ومجلس النواب الذي يقوده «الجمهوريون»، وسعي المحافظين اليمينيين المتشددين إلى استخدام «الإغلاق» كوسيلة لخفض الإنفاق.

ويحذر المشرعون من أنه في حال نُفّذ هذا «الإغلاق» فقد يستمر لأسابيع عدة، ويؤدي إلى زعزعة الأسواق المالية. وإذا كان الزعيم الجمهوري كيفن مكارثي، وهو يشغل منصب رئيس مجلس النواب، قد تحدى المنتقدين عندما توسّط في اتفاق مايو، وجنب الولايات المتحدة تخلفاً غير مسبوق عن سداد الديون، فإنه يواجه الآن تحدياً أكثر صرامةً، ويكافح لإرضاء الجناح اليميني لحزبه، والذي نسف محاولات عدة لتمويل الدولة. وفي هذا السياق اتهم الرئيس السابق دونالد ترامب حكومة بايدن بالفشل في الحد من الديون.

مع العلم أنه سبق له أن أشرف على «إغلاق حكوميين» خلال ولايته. وبإنفاق 1.6 تريليون دولار خلال أربعة أشهر (يونيو–سبتمبر) يرتفع حجم الدين المتراكم في ولاية بايدن قبل انتهاء سنتها الثالثة إلى نحو 5 تريليونات دولار، وهو رقم كبير لكنه ما يزال أقل من التراكم المسجل في ولاية ترامب (2017–2021) والبالغ نحو 8.2 تريليون دولار، وربما يتجاوزه مع انتهاء السنة الرابعة في نهاية يناير 2025. مع الإشارة إلى أن وزارة الخزانة الأميركية أوضحت أن «زيادة بنسبة 50% في الإنفاق الحكومي، سجلت بين العامين الماليين 2019 و2021، وأسهمت في بلوغ المستوى الجديد للمديونية».

وهكذا أصبح الدين الأميركي يعادل 11% من الدين العالمي، ونحو 150% من الناتج المحلي الإجمالي البالغ 22 تريليون دولار. ومع استمرار ارتفاع الفائدة المصرفية التي وصلت إلى 5.5%، وهي تستهلك جزءاً أكبر من الميزانية الحكومية، تزداد مخاطر الائتمان، مما دفع وكالة «فيتش» إلى تخفيض تصنيف الولايات المتحدة من «إي إي إي+» إلى «إي إي+».

ورغم أن هذا التخفيض لم يؤثر كثيراً على ملاءة الحكومة، فإنه يدق ناقوسَ الخطر، خصوصاً وأن حجم الفائدة الذي تدفعه على ديونها أصبح كبيراً. وعلى افتراض أن نسبة الفائدة تقارب 1%، فالمبلغ يصل إلى 330 مليار دولار. وفي ظل تطور تفاقم الدين وتداعياته، هناك سلسلة مخاطر تواجه الاقتصاد الأميركي، وتؤثر في مسار «السباق الرئاسي» الذي سيحسم في انتخابات نوفمبر 2024، وقد وصفها رئيس بنك الاحتياطي الفيديرالي جيروم باول بـ«التهديدات الاقتصادية»، وأهمها: الإضراب الأوسع والأطول الذي يشمل 13 ألف عامل في قطاع السيارات، إغلاق الحكومة، استئناف مدفوعات القروض الطلابية، ارتفاع أسعار الفائدة طويلة الأجل، وصدمة أسعار النفط.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية