من ينكرون أن العرب ليسوا بشعوب سلام فعليهم أن يعيدوا التفكيرَ والبحث مرة أخرى كي يروا أننا أُمة مسالمة لا تحمل رايات الحروب، بل تنشر السلام والتعايش. ولهم في دولة الإمارات العربية المتحدة النموذج والبرهان، إذ تقوم سياستها الخارجية على نشر السلام بين شعوب العالم، وتؤكد ذلك من خلال سياستها الداخلية التي تسمح لجميع شعوب العالم بالعيش على أرضها بجوار المواطنين الإماراتيين في أمن وأمان وتعايش قل نظيره. وفي هذا الإطار ترتكز مبادرة السلام العربية التي أطلقها المغفور له بإذن الله تعالى الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود، رحمه الله، أثناء انعقاد القمة العربية في بيروت عام 2002. ومما لا شك فيه أن المبادرة أقوى برهان على جنوح العرب للسلام في الشرق الأوسط بين الدول العربية بشكل عام وفلسطين بشكل خاص وبين إسرائيل وذلك لوضع حد لعقود من الحروب والكراهية. 
ومَن يمعن النظر في بنود تلك المبادرة يوقن أنه لو تم تطبيقها لكانت الأوضاعُ في المنطقة بأسرها قد تغيرت خلال العقدين الماضيين. فقد طلب مجلس جامعة الدول العربية، من خلال المبادرة، من إسرائيل إعادة النظر في سياساتها وأن تجنح للسلم وتقوم بتطبيق قرارات الشرعية الدولية بما في ذلك الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما فيها الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو 1967، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يُتَّفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194. كما نصت المبادرة على قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية، مع ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى و«الوضع الخاص» في البلدان العربية المضيفة.
ومن أجل ضمان تطبيق العدالة في تلك المطالب، فقد نصت مبادرة السلام العربية على أنه في حال قبول الطرف الإسرائيلي بالمبادرة فإن الدول العربية ستعتبر النزاع العربي الإسرائيلي منتهياً، وتدخل في اتفاقيات سلام بينها وبين إسرائيل، مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة، وسيتم إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار السلام الشامل. وقد دعت المبادرةُ حكومةَ إسرائيل والإسرائيليين جميعاً إلى قبول المبادرة حمايةً لفرص السلام وحقناً للدماء، بما يمكّن الدول العربية وإسرائيل من العيش في سلام جنباً إلى جنب، ويوفر للأجيال القادمة مستقبلاً آمناً يسوده الرخاء والاستقرار.
وفي إطار مبادرة السلام العربية جاءت أيضاً الاتفاقيات الإبراهيمية التي أطلقتها دولةُ الإمارات العربية المتحدة في عام 2020 بينها ومملكة البحرين من جانب وبين إسرائيل من جانب آخر قبل أن تنضم إليها المملكة المغربية ثم السودان. وجاءت الاتفاقيات لتؤكد أن الحل الوحيد للتحديات المطروحة في الشرق الأوسط هو التعاون وليس الحرب، وذلك في دعوة عامة إلى تحقيق السلام الدائم والاستقرار والازدهار. كما دعت الاتفاقيات إلى وقف خطط الضم الإسرائيلية لأراضي الضفة الغربية. والواضح من كافة تلك الجهود العربية أن العرب انتهجوا السلام طريقاً للتعايش ولنبذ الخلافات، وهو النهج الذي نحتاجه جميعاً في الوقت الحالي، إنهاءً للعنف وحقناً للدماء.

*باحث إماراتي