عندما يصل هذا المقال إلى القارئ الكريم يكون مؤتمر الأطراف «كوب28» قد أنهى أعماله، لكن النتائج الإيجابية التي تم التوصل إليها نتيجة لعقد هذه الدورة من المؤتمر لن تنتهي، وستبقى حية تذكر وتتداولها دول العالم بأنها النسخة الأنجح التي تم عقدها.
ضمن جلسات وأعمال المؤتمر قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بتقديم العديد من الأوراق والمداخلات التي أثرت المواضيع المطروحة على الساحة الدولية، وقدمت من الناحية العملية مساهمات عدة في شكل التزامات وطنية ثابتة ستجعل مؤتمر الأطراف ذا معنى على مدى السنوات القادمة.
إن الأهداف التي تم تعضيدها في الالتزامات المقدمة من المتوقع أن تتم ترجمتها إلى مشاريع عملاقة تسهم بفعالية في المحافظة على البيئة من مناظير عالمية، من أهمها تخفيضات مطلقة لانبعاث الغازات والأبخرة الصادرة من العجلة الاقتصادية، واستخدام وسائل النقل وأجهزة التكييف والتبريد والتدفئة إلى معدلات قياسية متدنية على المدى المنظور.
لكن المهم هو أن مؤتمر الأطراف «كوب28» الذي عقد في الإمارات تضمن أطروحات ثرية كانت نتيجتها دعم أسس إنجاز متشابكة فعالة، أهمها سبعة، هي: التكنولوجيا والابتكار والتمويل والاستثمار والتضمين والجماعات التي تقع في الصفوف الأمامية والتعليم البيئي.
إن أهم نتيجة نرى بأن مؤتمر الأطراف«كوب28» قد تمخض عنها هي تشكل «مجتمع مدني عالمي» لحماية البيئة العالمية مشابه للمجتمعات المدنية الوطنية التي تشهر وتعلن وتعرف وتعمل على حل مشاكل قائمة في مجتمع معين. و«بالمجتمع المدني العالمي» الجديد الذي قام، نحن نعنى شبكة العمل الواسعة من الدول والمؤسسات والمنظمات، التي هي ليست بأعمال ذات منطلقات ربحية خالصة ولا هي وكالات حكومية صرفة.
هذه الشبكة تعمل بين الدول والأسواق، وهي تطوعية ذات بنى وبرامج محددة ولها نطاق واسع من الحركة التي تهدف إلى تحقيق أهداف ومصالح أعضائها أو تحقيق تغييرات مؤثرة وإدخال تحسينات على العديد من جوانب الحياة.
منظمات المجتمع المدني العالمي ستقوم بالتركيز على قضايا عالمية مشتركة بين دول العالم المختلفة أهمها القضايا البيئية التي باتت تشغل العالم المعاصر بشكل متزايد.
ودون شك بأن هذه المنظمات الخاصة بالمجتمع المدني العالمي ستقوم بالاتصال والارتباط بالمنظمات الوطنية المحلية الحكومية وغير الحكومية للتنسيق والتعاون والعمل المشترك معها، لأن الهدف واحد، وهو حماية البيئة المحلية والعالمية.
وهي بهذا الشكل ستشكل شبكات عمل مركبة ومعقدة من الروابط البيئية تتشارك عبرها في المعلومات والخطط والاستراتيجيات والتكتيكات والتقنيات والحلول وأعمال التنسيق التي تشد انتباه واهتمامات عالمية ومحلية حول مشاكل تؤثر على مجمل الكرة الأرضية.
في هذا المقام يدور الحديث حول عالمية البيئة كحركة اجتماعية لمجتمع مدني عالمي جاء وتشكل كنتيجة لعقد مؤتمر الأطراف 28 في دولة الإمارات، وهذا المجتمع المدني الجديد سيكون متواجداً على مدار الكون. وهذه النتيجة، هي أمر حتمي لسلامة العالم من الدمار البيئي القادم إذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه.
على مدى العقود الماضية أصبح من المعتاد التفكير في مشاكل البيئة على أنها شأن عام عالمي في جوهرها وطبيعتها. وبالتأكيد إن العالم في مؤتمر الأطراف 28 خير نفسه بين المحافظة على البيئة العالمية جماعياً وبين ترك الحبل على الغارب للتدهور البيئي في صيغ من تلوث الهواء، الأمطار الحمضية، التصحر ودمار الغابات، انبعاث الأبخرة والغازات، تآكل طبقة الأوزون، وغيرها. وبالتأكيد أيضاً أن الخيار الأفضل يكمن في العمل الجماعي على الصعيد العالمي. وبالتركيز على البيئة عن طريق حراك «المجتمع المدني العالمي»، يصبح بمقدور العالم الكشف عن العديد من القضايا المركبة والمعقدة، التي تنشأ عندما تدخل مشكلة ذات دلالات وتداعيات بعيدة المدى وتتبوأ مكاناً عالمياً يؤثر على الأجندات الخاصة بالتنمية الاقتصادية وجودة الحياة الخاصة بالبشر وبالكائنات الأخرى، وعدم المساواة بين الدول، وشح الاستثمارات الأجنبية في الدول الفقيرة والعلاقات ما بين الدول بشكل عام. وإلى حد كبير الرسائل التي توصلها هذه النتيجة من نتائج المؤتمر مناسبة وتخدم العديد من قطاعات المجتمع المدني العالمي وتتعامل مع مواطن الخلل البيئي بشكل مباشر ومفيد جداً.
*كاتب إماراتي