على نحو يكرس جهود دولة الإمارات على الصعيد الدولي لمواجهة التداعيات السلبية لظاهرة التغيرات المناخية، يمكن اعتبار مخرجات «كوب28» الذي استضافته الدولة، في الفترة من 30 نوفمبر الماضي وحتى 12 ديسمبر الجاري، انطلاقة جديدة للعمل المناخي من الإمارات، حيث يرسخ «اتفاق الإمارات» التاريخي نجاح رئاسة المؤتمر في حشد جهود نحو 198 دولة لتحقيق توافق تاريخي للحفاظ على مستقبل كوكب الأرض، من خلال المواجهة الحاسمة لهذه التداعيات، التي تفاقمت على نحو منذر في السنوات الأخيرة، بما يحقق التوازن المنشود بين متطلبات التنمية والعمل المناخي. 
ولعل من أبرز ما حققه «كوب28» وارتبط مباشرة بالدور الرائد للإمارات في مجال المناخ ومساهماتها المالية السخية، هو إطلاقها صندوقاً للاستثمار المناخي برأس مال تحفيزي بقيمة 30 مليار دولار، يركز على جذب وتحفيز التمويل الخاص، ويهدف الصندوق إلى جمع 250 مليار دولار إضافية على مستوى العالم، وسوف تشكل هذه الخطوة أساساً متيناً لتعزيز العمل المناخي في الفترة المقبلة. 
وتشكل المساهمات المالية التاريخية لدعم العمل المناخي واحدة من أهم إنجازات «كوب28»، ذلك أن مشكلةَ التمويل تمثل إحدى التحديات الكبرى التي تحول دون تفعيل الجهود الدولية لمواجهة التأثيرات السلبية لظاهرة التغير المناخي، ومن أهم هذه المساهمات، إضافة إلى ما تم ذكره، المساهمات المتعلقة بزيادة القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة (5 مليارات دولار)، والمساهمات الخاصة بصندوق المناخ الأخضر (3.5 مليار دولار وزيادة التجديد الثاني للموارد إلى 12.8 مليار دولار)، والمساهمات المتعلقة بتطوير النظم الغذائية والزراعية (3.1 مليار دولار)، والمساهمات بشأن الصحة (2.9 مليار دولار)، والمساهمات المتعلقة بمجال حماية الطبيعة (2.6 مليار دولار)، وغير ذلك الكثير. 
ومما لا شك فيه أن الإنجازات التي حققها «كوب28»، إنما تعكس الإدارة الناجحة لفعالياته من قبل دولة الإمارات، التي استطاعت بناء الكثير من التوافقات بين إرادات متعارضة، مستغلة في ذلك المهارات التفاوضية العالية لفريقها المشارك في المؤتمر ومكانتها ودورها الرائد في مجالات الاستدامة والسياسات الخضراء والطاقة النظيفة وغيرها. ومن المهم الإشارة في هذا السياق إلى أن دولة الإمارات قد عملت بشكل دؤوب منذ الإعلان عن استضافتها «كوب28» على تقديم دورة استثنائية ترتقي إلى مستوى التحديات الخطيرة التي تمثلها ظاهرة التغيرات المناخية، وتؤكد هذه الإنجازات في الوقت نفسه أن الإمارات قد رسخت مكانتها مساهماً رئيساً في بناء مستقبل مستدام للبشرية.
وإذا كان «كوب28» قد استطاع البناء على ما تم التوصل إليه في «كوب27» الذي عُقد في مدينة شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية، من خلال تفعيل صندوق «الخسائر والأضرار» وتأمين تعهدات مبكرة من الدول لتمويله، فإن ما تم التوصل إليه في «كوب28» سيكون أساسًا متينًا لتحقيق المزيد من الإنجازات في «كوب29» الذي ستستضيفه جمهورية أذربيجان، من أجل تكثيف الجهود الدولية لمواجهة الأخطار المناخية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى نجاحات مهمة حققها «كوب28» تمهد الطريق لتحقيق المزيد من الإنجازات في مؤتمرات الأطراف المقبلة والربط بين مختلف مؤتمرات الأطراف التابعة للأمم المتحدة في مجالات المناخ وحماية الطبيعة، وعلى سبيل المثال فقد أطلقت رئاسة «كوب28» بالتعاون مع الصين بصفتها رئيس مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي «كوب15» البيان المشترك لـ «كوب28» بشأن المناخ والطبيعة والإنسان الذي يضع إطاراً لمنهجية شاملة تحقق التكامل بين العمل المناخي وحماية الطبيعة، استعداداً لكل من مؤتمر الأطراف للمناخ «كوب30»، ومؤتمر الأمم المتحدة للأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي «كوب16»، لضمان تواصل العمل والاستمرارية عبر مؤتمرات الأطراف للتنوع الحيوي والمناخ.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية