منذ بزوغ عصر الثورة الصناعية، أغرقت البشرية الغلاف الجوي بكميات هائلة من الكبريت الناتج عن حرق الفحم والنفط، مما أدى إلى تقصير أعمار مليارات البشر. بسبب ذلك، سنت الدول قوانين صارمة للحد من تلوث الهواء، ألزمت محطات الفحم بترشيح انبعاثاتها، وأجبرت السفن على استخدام وقود أنظف. وقد انخفضت الانبعاثات العالمية من الكبريت بنحو 40% منذ عام 2006، فيما قلصتها الصين وحدها بما يقارب 70%.
ورغم أن نقاء الهواء إنجاز مهم، لكنه يكشف أيضاً عن عاقبة غير مقصودة. فقد تبين أن جسيمات الكبريت الدقيقة كانت تعكس أشعة الشمس إلى الفضاء وتحجب نحو ثلث الاحترار الناجم عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ومع تراجع تلك الجسيمات، صار الاحترار الكامن أوضح وأسرع. وكما كتبت مجلة «الإيكونوميست»: «إذا قلت معدلات اختناق الهند، ستزيد معدلات احتراقها».
هنا يبرز سؤال شائك في عالم علوم المناخ: هل علينا التفكير في استبدال أثر التبريد العارض للكبريت بنسخة متعمدة أكثر فعالية؟
ولا تعتبر فكرة «الهندسة المناخية» بالجديدة؛ فقد وردت في أول تقرير علمي قُدم إلى الرئيس الأميركي ليندون جونسون عام 1965. وتعد أكثر المقترحات واقعية اليوم هي استخدام أسطول صغير من الطائرات على ارتفاعات شاهقة لنثر كميات أكبر من قطرات من حمض الكبريتيك في طبقات الجو العليا، وهو حل قابل للنجاح؛ إذ أظهرت ثورات بركانية مثل ثوران جبل بيناتوبو عام 1991 أن إطلاق الكبريت في الغلاف العلوي يبرد الأرض لبضع سنوات.
ويجدر أخذ هذه الفكرة بجدية، لأن تكاليف فقدان تبريد الكبريت العرضي كانت باهظة العام الحالي عندما دفعت موجات الحر درجات الحرارة إلى ما يزيد عنلى 120 درجة فهرنهايت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وإذا كان انعكاس أشعة الشمس قادراً على إنقاذ الأرواح وحماية البيئة، فهو على الأقل جدير بالمناقشة.
وبما أن الكبريت في طبقات الغلاف الجوي العليا أكثر فعالية في تبريد الكوكب مقارنة بالكبريت الناتج في الغلاف الجوي السفلي عند حرق الوقود الأحفوري، سيتعين إضافة كمية أقل بكثير منه، وسيُسبب آثاراً صحية أقل بمئة مرة على الأقل.
إلا أن انعكاس أشعة الشمس ليس حلاً سحرياً. فوضع الكبريت في الغلاف الجوي العلوي سيُلحق الضرر بطبقة الأوزون، مما يسمح بمرور المزيد من الأشعة فوق البنفسجية. وحتى لو قلل من الوفيات الناجمة عن الحر المتطرف، فإن نشره على نطاق واسع قد يُفاقم تغير المناخ في بعض المناطق، ربما عن طريق تغيير أنماط هطول الأمطار.
وهناك قيود جوهرية على انعكاس ضوء الشمس. فهو بمثابة ضمادة تُعالج أعراض تغير المناخ مؤقتاً، لكنها لا تُعالج المرض الكامن وراء غازات الاحتباس الحراري. وعلى عكس جرح الجسم، لا تتعافى الأرض من تغير المناخ خلال نطاق زمني مهم للمجتمعات البشرية، بل إن الاحترار الناجم عن ثاني أكسيد الكربون مستمر، ومعظم ما نصدره اليوم سيُسخن الكوكب لآلاف السنين القادمة.
حتى لو خفض العالم الانبعاثات إلى الصفر، فلن يبرد الكوكب لآلاف السنين. والسبيل الوحيد الدائم للعودة إلى درجات حرارة أكثر انخفاضاً هو إزالة فائض الكربون الذي أضفناه بالفعل، وإزالة ما يكفي لعكس حتى 0.1 درجة مئوية من الاحتباس الحراري ستكلف عشرات تريليونات الدولارات.
ويعني ذلك أن الخطر الحقيقي للهندسة المناخية يكمن في الاطمئنان الوهمي، إذ تهدد أي وسيلة زهيدة الثمن لتأخير آثار الاحترار بتقويض الحاجة إلى خفض الانبعاثات بسرعة، وهو أمر من شأنه أن يُعرض أطفالنا لخطر التبعية، حيث يصبح حتى إيقاف العملية مكلفاً للغاية.
في ضوء ذلك، لا نطالب بنشر الهندسة المناخية اليوم، بل يتمثل النهج الأكثر تواضعاً، إذا قرر صانعو السياسات ضرورة ذلك، في تنفيذ برنامج صغير الحجم ومدروس بعناية، يزيد بشكل طفيف من انعكاسية الغلاف الجوي العلوي للتعويض عن فقدان التبريد الناتج عن إزالة تلوث الكبريت.
لن يكون الهدف هو ضبط درجة حرارة الأرض إلى درجة مفضلة، ولا تعويض جميع آثار الاحتباس الحراري، بل سيكون الحفاظ على مستوى ثابت من التبريد الناتج عن الكبريت لفترة زمنية محددة، مما يقلل من مخاطر المناخ على المدى القريب، مع استمرار جهود إزالة الكربون.
وخلال اجتماع قادة العالم في نيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة وأسبوع المناخ، ينبغي أن تتضمن أي مناقشات حول انعكاس أشعة الشمس التزاماً واضحاً وقابلاً للتنفيذ بعدم تبريد الأرض أكثر من تبريد انبعاثات الكبريت الحالية. ويجب أن يكون هناك مخرج واضح، وهو إنهاء البرنامج مع وصول العالم إلى صافي انبعاثات صفرية وتوسيع نطاق تقنيات إزالة الكربون في وقت لاحق من هذا القرن.
ولا يقل تحديد وتيرة العمل أهمية عن وضع الحدود. وإذا اختار المجتمع تجربة هذا النهج، فعليه أن يبدأ بخطوات صغيرة بطيئة الوتيرة، مع التسارع التدريجي، من دون تغير محسوس لمعظمنا، لكن يمكن رصده من الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار. وينبغي أن يقترن ذلك بنقاط تفتيش منتظمة لتقييم الآثار الجانبية على هطول الأمطار الإقليمي، والغلاف الجوي، والأوزون، بهدف شراء وقت إضافي قصير لتفادي قفزة حرارية قريبة، وليس إطلاق فرع جديد للتحكم في المناخ.
وإذا ركزنا على حل المشكلة المتمثل في خفض الانبعاثات، وأخذنا في الاعتبار انعكاس أشعة الشمس المحدود والمؤقت، يمكننا الحفاظ على هواء أنظف، وتجنب ارتفاع درجات الحرارة على المدى القريب، وضمان ألا تدفع الأجيال القادمة عواقب خياراتنا اليوم.
ديفيد كيث*
*أستاذ في العلوم الجيوفيزيائية والمدير المؤسس لمبادرة هندسة أنظمة المناخ في جامعة شيكاغو.
زيك هاوسفاذر**
** رئيس أبحاث المناخ في سترايب، وباحث علمي في مؤسسة «بيركلي إيرث».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»


