باتت أنشطتنا اليومية والمتنوعة على الإنترنت أجزاءً صغيرة من مجموعة من مكعبات الليجو، بجمعها معاً، يمكن رسم صورة رقمية متنامية عن هويتنا وتحركاتنا وتفضيلاتنا وحتى نوايانا المستقبلية، وهي الصورة التي من الممكن أن تُستخدم في تسهيل حياتنا اليومية وعمليات الشراء والبحث على الإنترنت، حيث تساعد هذه الصورة الشركات على توجيه المحتوى إلى مستهلكين محددين، وتساعد أصحاب العمل على الاطلاع على خلفية المتقدمين لوظائف معينة، وتساعد المعلنين على تتبع تحركاتك عبر مواقع إلكترونية متعددة.
إلا أنه على الجانب المظلم فتلك البصمة الإلكترونية، كدفع رسوم الطريق، أو المرور أمام كاميرا مراقبة، أو الانتقال من هاتف محمول إلى آخر قادرة على إنشاء سجل متكامل عن تحركاتك اليومية وتفضيلاتك حيث تشمل هذه البصمات جميع التفاعلات والمعلومات الرقمية المرتبطة بشخص ما عبر مختلف المنصات والخدمات الإلكترونية، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، والمشتريات عبر الإنترنت، وسجل تصفح الويب، واستخدام التطبيقات، وبيانات الموقع الجغرافي والمعلومات الطبية وخدمات النقل والتوصيل وحتى الطعام والشراب.
بل ويمتد الأمر أنك قد تترك آثاراً رقمية بمجرد المشي في الشارع، من خلال تطبيقات، مثل تطبيقات الملاحة والخرائط، وعندما تتشارك مواقع الويب المعلومات مع بعضها البعض وتربط بصماتك الشخصية، يُمكنها إنشاء ملفات تعريف أكثر اكتمالاً وتطوراً لك باستخدام بيانات، مثل المواقع التي زرتها، والمنتجات التي اشتريتها، وعنوانك، وعمرك، وجنسك، وصحتك، ووظيفتك والقائمة أطول من كل ما شاركته على الإنترنت، وهنا قد تنتهك هذه البصمة الإلكترونية خصوصية الأفراد بشكل غير معلن، وعندما تقع في يد المحتالين قد تتحول هذه البيانات لوسيلة للابتزاز الإلكتروني.
ويمكن للمتسللين ومجرمي الإنترنت استغلال معلوماتك لسرقة الهوية أو التصيد الاحتيالي، كما يمكن أن تُسرّب البيانات معلوماتك الشخصية، ويمكن استغلال هذه المعلومات لترهيب وابتزاز الأشخاص من خلال العثور على معلوماتهم الشخصية من خلال وسطاء البيانات أو مواقع البحث عن الأشخاص، وتظهر صعوبة الأمر في مدى تعقيد موضوع البصمة الإلكترونية فبينما يمكن للأفراد تجنب أشياء، مثل عمليات التصيد الاحتيالي والمكالمات الاحتيالية، لكن البصمة الإلكترونية تتيح للمحتالين استغلال معلومات مفصلة عن حياتك وعائلتك بفضل بصمتك الرقمية بشكل مباشر وبدون إذن، لذلك، من المهم أن تكون على دراية بسهولة حصول أي شخص على هذا النوع من المعلومات في عالمنا اليوم.
ومن المستحيل تقريباً محو بصمتك الرقمية بالكامل، إلا أن الأفراد والمستخدمين يمكنهم اتخاذ مجموعة من الإجراءات لتقليل البصمة الإلكترونية قدر الإمكان، مثل التأكد من حذف جميع ملفاتك الشخصية على مواقع الويب والتطبيقات التي أنشأتها على مر السنين، ويشمل ذلك أيضاً التحقق من بياناتك على الإنترنت، وإدارة إعدادات الخصوصية على التطبيقات والمواقع المختلفة، واستخدام حسابات منشئي المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي، وحذف الحسابات القديمة، والتحقق دائماً من إعدادات الخصوصية لأي تطبيق أو حساب تستخدمه، حيث عادةً ما تُسهّل الإعدادات الافتراضية على المزود مشاركة معلوماتك لأغراض التسويق، مما يعني ضرورة تعديل إعداداتك أو إعداداتك الافتراضية لحماية خصوصيتك.
ويجب أيضاً الحذر لمن يمكنه رؤية منشوراتك على منصات التواصل الاجتماعي، ويُنصح بجعل جمهورك الافتراضي أصدقاء فقط حتى لا تشارك كل شيء دون قصد مع محركات البحث دون علم، والعمل على استخدام عنوان بريد إلكتروني للعمل وآخر للمنزل، مما يساعد في الحفاظ على أجزاء مختلفة من بصمتك الرقمية منفصلة.
إضافة إلى ذلك يمكن الاستعانة بأدوات وبرامج لتعزيز الخصوصية، حيث تتوفر العديد من أدوات تعزيز الخصوصية، خاصةً للمتصفحات، يُمكنها مساعدتك في حماية جوانب مُحددة من بصمتك الرقمية وفهم ما يبحث عنه مُزودو الخدمة، واستخدام التطبيقات التي تعتمد على التشفير لضمان حماية خصوصيتك الرقمية من انتهاك البصمة الإلكترونية التي قد تعرض بياناتك للخطر إذا لم ينتبه لها المستخدمون عند إجراء تعاملاتهم المختلفة على الإنترنت.
*رئيس الأمن السيبراني لحكومة دولة الإمارات.


