بوسعنا أن نمنّي النفس بأن يتم وقف إطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين ليعودوا أخيراً إلى ذويهم وأحبائهم، وكذلك الأسرى الفلسطينيين، وقبل كل شيء، توقف المذبحة في غزة. صحيح أن هذا لا يعني نهاية الصراع، غير أنه سيضع حداً للقصف على الأقل. ومع ذلك، لا بد من أن نأخذ بعين الاعتبار هنا حقيقة مؤلمة، ألا وهي حقيقة أن الكراهية بين الإسرائيليين والفلسطينيين لم تكن يوماً بهذا الحجم وبهذه القوة. صحيح أنها كانت موجودة من قبل، وأن الرغبة في السلام كانت محدودة جداً من كلا الجانبين؛ غير أنه منذ 7 أكتوبر 2023 والطريقة المروعة التي ردّت بها إسرائيل في غزة، بلغت الكراهية بين الجانبين مبلغاً لا مثيل له.

كيف يمكن إقامة حوار؟ الواقع أنه لا بد لهذين الشعبين من أن يتعايشا جنباً إلى جنب على الأقل، إن لم يكن معاً، لأن الحل الآخر هو التطهير العرقي الشامل، وهو أمر غير مقبول ولا يمكن التسامح معه. ولا بد أيضاً من أن يكون هناك رواد في الحوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين. صحيح هذه الأصوات باتت نادرة، ولكنها ضرورية أكثر من أي وقت مضى.

ولكن، ما هي شروط هذا الحوار الذي يمكن أن يؤدي إلى مصالحة؟ أولاً، يجب على كل طرف أن يعترف بشرعية الطرف الآخر. وينبغي ألا نتصور أن هناك منتصراً يجود على المهزوم، من باب الكرم، ببعض الحقوق أو الصلاحيات البديلة.

ويجب ألا يكون الإسرائيليون في موقع الهيمنة على الفلسطينيين الذين قد يجدون أنفسهم في موقف المتسولين. فكل طرف متمسك بشعبه، وكل طرف متمسك بأرضه، غير أنه لا بد من الاعتراف بشرعية الطرف الآخر وحقه في الوجود، لأنه ليس هناك «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، كما قال اللورد بلفور في عام 1917. بل هناك أرض وشعبان.

لن نعود هنا إلى التصريحات التاريخية، ولا إلى مسلسل الأحداث الذي أفضى إلى الوضع الحالي، ينبغي أن يتفاوض الشعبان على قدم المساواة، وإذا لم يكن هناك طرف منتصر يقرر ما سيمنحه للطرف الآخر.

وعلاوة على ذلك، يجب على الفلسطينيين أن يدينوا بشكل واضح وحازم أحداث 7 أكتوبر، التي تمثّل صدمة للإسرائيليين، ذلك أنها ليست مجرد حلقة من حلقات الكفاح من أجل التحرير، لأنه ارتُكبت فيها فظائع ضد مدنيين -- مدنيين كانوا في الغالب ممن يناضلون من أجل الاعتراف بحقوق الفلسطينيين. بالمقابل، يجب على الإسرائيليين أن يعوا الألم الذي يسببونه للفلسطينيين: الآلام الماضية، والآلام الحالية، والآلام المستقبلية، ذلك أن على الإسرائيليين، الذين غالباً ما يتجاهلون الجرائم التي ترتكب ضد الفلسطينيين أو لا يعارضونها، أن يأخذوا في عين الاعتبار الثمن الذي يجب دفعه مقابل الجروح الجسدية، وكذلك الجروح المعنوية، والأضرار المادية. إذن، يجب الاعتراف بألم الإسرائيليين، والاعتراف بألم الفلسطينيين، لأننا لن نتمكن من تحقيق أي تقدم إلا من خلال هذا الاعتراف المتبادل بوجود الآخر، وبألم الآخر.

كما أنه لا بد من تسليط الضوء بشكل أكبر على أولئك الذين يناضلون من أجل التعايش، في وقت لم نعد نسمع فيه سوى أولئك الذين يسعون إلى رفض الاعتراف بالآخر. والحق أنه ما زالت هناك أصوات، سواء في فلسطين أو في إسرائيل، تدرك أن الخيار الحصيف هو السلام، وأنه لا يوجد حل عسكري لهذا الصراع، وأن التفكير في وجود حل عسكري هو وهم باهظ الثمن بالنسبة لكلا الشعبين. ذلك أن «حماس» لن تستطيع بالطبع هزم إسرائيل بالسلاح، وإسرائيل لن تستطيع إبادة جميع الفلسطينيين - أو سيكون ثمن ذلك باهظاً جداً على الأجيال القادمة.

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس.