تُجسّد استراتيجية وزارة الأسرة للأعوام 2025–2027 امتداداً عميقاً لرؤية دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تعتبر الإنسان محور التنمية وأساس ازدهارها، وتضع الأسرة في مقدمة أولوياتها الوطنية، بوصفها الركيزة الأهم لبناء مجتمع متماسك ومستقر، قادر على مواجهة التحديات المستقبلية، وترسيخ بيئة اجتماعية داعمة، وهو ما يظهر جليّاً في تأكيد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، أن «الاهتمام بالأسرة والحرص على توفير كل ما من شأنه تعزيز تماسكها وتمكينها من أداء دورها المحوري، يمثل أولوية رئيسية في برامج الحكومة وخططها».

وفي ظل التحوُّلات المُتسارعة التي يشهدها العالم، تُقدّم هذه الاستراتيجية مقاربة نوعية، رصينة ومدروسة، توازن بين الحفاظ على القيم الوطنية الأصيلة ومواكبة التحديات الاجتماعية والاقتصادية الجديدة، في ظل توجيهات القيادة الرشيدة التي أكدت دائماً أن تمكين الإنسان هو الاستثمار الأجدى من أجل بناء مستقبل واعد.

ولا تقتصر هذه الاستراتيجية على التشخيص التقليدي للواقع الراهن وما ينطوي عليه من تحديات وفرص، بل تتجاوز ذلك نحو تبنّي رؤية استشرافية متكاملة تُعنى بمختلف المراحل العمرية وتفاصيل الحياة الأسرية. فهي تضع سياسات دقيقة تستند إلى البيانات والأدلة العلمية، بما يُمكّن الوزارة من صياغة بيئة أسرية متوازنة تُلبي متطلبات الحاضر وتتهيأ بمرونة لمتغيرات المستقبل. وتشمل هذه الرؤية دعم الشباب المقبلين على الزواج وتخفيف الأعباء المعيشية عنهم، إضافةً إلى الارتقاء بجودة حياة الوالدين والأطفال من خلال تعزيز التعليم، وتقديم الرعاية النفسية، وتوفير فرص عمل مرنة تُسهم في استقرار الأسرة وازدهارها.

ولأن المجتمعات تُقاس بمدى احتضانها للفئات الأكثر احتياجاً، نجد أن هذه الاستراتيجية قد أولت كبار المواطنين وأصحاب الهمم، والأطفال المعرّضين للخطر اهتماماً استثنائياً، من خلال نهج وقائي يُعيد صياغة العلاقة بين الدولة والفرد على أسس فريدة من التضامن والكرامة.

ويُشار في هذا السياق إلى أهمية إنشاء وحدة «التجارب السلوكية الأسرية والمجتمعية» كمنصة تحليلية متقدمة تتيح للوزارة تصميم تدخلات أكثر دقة وفعالية بناءً على تحليل السلوكيات وأنماط الحياة. وإلى جانب ذلك، تعتزم الوزارة إطلاق سلسلة من الحملات التوعوية والفعاليات المجتمعية على مستوى الدولة خلال الفترة المقبلة، بهدف تعزيز وعي المجتمع بدور الأسرة، وترسيخ ثقافة التماسك الأسري، وتشجيع المشاركة المجتمعية في دعم المبادرات الوطنية، إذ ستركّز الحملات الجديدة على موضوعات محورية مثل الصحة النفسية، والتربية الإيجابية، والتوازن بين الحياة الأسرية والمهنية، وتمكين الفئات الأَولى بالرعاية، والتوعية بالإعاقات والإدمان.

ولا يمكن فصل هذه الاستراتيجية عن السياق الأوسع الذي نشأت فيه، فهي امتداد لسياسات وخطط سابقة، مثل «السياسة الوطنية للأسرة» (2018)، و«سياسة حماية الأسرة» (2019)، و«استراتيجية جودة حياة الأسرة في أبوظبي» (2023)، كما أنها تُترجم عملياً مخرجات «خلوة الأسرة» ضمن الاجتماعات الحكومية لعام 2024، التي مثّلت منصة تفاعلية جمعت أكثر من 500 مسؤول بهدف إعادة التفكير في سبل تمكين الأسرة المواطنة.

ولعل الأهم في هذا المسار هو ما يعكسه تأسيس وزارة الأسرة من تقدم كبير لجهة ترسيخ أسس المجتمع القوي المتماسك، حيث لم يعد يُنظر إلى الأسرة بوصفها مجرد وحدة تحتاج إلى الحماية، بل باعتبارها فاعلاً أساسياً في بناء المستقبل، وركيزة لا غِنى عنها في الحفاظ على النسيج الاجتماعي. ومن هنا، يتجلّى التحول من «وزارة تنمية المجتمع» إلى «وزارة تمكين المجتمع»، لا بوصفه مجرد تغيير في المسمّى، بل كتعبير عن نقلة نوعية في التوجه والسياسات والغايات.

إن استراتيجية وزارة الأسرة للأعوام 2025–2027 ليست مجرد خطة تنفيذية أو إطار عمل تقليدي، بل هي انعكاس حقيقي لالتزام وطني يجعل الأسرة محوراً رئيساً لكل السياسات التنموية، ويؤكد على أن التنمية المستدامة لا يمكن تحقيقها دون دعم الأسرة. ومن خلال هذا النهج، تسعى دولة الإمارات إلى بناء مجتمع متماسك ومتسامح وآمن، يجد فيه كل فرد مكانه المستحق ضمن منظومة متكاملة من الرعاية والمشاركة الفاعلة والتمكين.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.