في سوق ميركاتو ديل كابو في باليرمو بإيطاليا، يعرض باولو دي كارلو، في محله المفتوح على الهواء الطلق، أنواعاً من الخضروات الطازجة، بما فيها الكوسا الطويلة التي استوردها خصيصاً من صقلية. الكثيرُ من باعة الخضروات أصبحوا الآن يُعنون كثيراً بمصدر معروضاتهم، حيث بات وعي الزبائن بالفروق بين مزروعات المناطق المختلفة أعلى منسوباً من ذي قبل. وفي هذا السوق أيضاً، تُعرض الأطعمة الجاهزة في المطاعم المزدحمة، حيث يقبل السياح على التهام الأطباق الإيطالية الشهية بنهم وتلذذ، بينما تنسكب كرات أرز الأرانشيني المقلية والكانولي المتوهج على مفارش الطاولات ذات الألوان الزاهية في عشرات المطاعم المطلة على أحد أكبر شوارع باليرمو. ورغم ولع الإيطاليين بمطبخهم الوطني، فإن كثيرين منهم يخشون الآن من إغراق مراكز مدنهم بالمتاجر والأذواق التي باتت تفرض تغييراً تدريجياً على الطابع الوطني.

ففي بولونيا وفلورنسا وروما وتورينو، تحولت الشوارع إلى ما يراه بعض الإيطاليين المنتقدين مطاعمَ مفتوحةً لا نهاية لها تُقدم الأطباقَ في مقالي قابلة للنشر على «إنستغرام»، بعيداً عن الطريقة التي اعتادوها على أيدي الجدات الإيطاليات. ولا تقتصر هذه المخاوف والانتقادات على الإيطاليين العاديين، وإنما هي قضية يأخذها المسؤولون على محمل الجد، ولهذا فقد حظرت السلطات في فلورنسا افتتاحَ مطاعم جديدة في أكثر من 50 شارعاً.

وفيما يعد الطعام جزءاً مهماً من هوية إيطاليا واقتصادها، يخشى بعض المسؤولين والسكان من أن الإفراط فيه قد يُقوّض الأصالةَ المميزة لإيطاليا، مُحوّلاً أجزاء منها إلى صورة كاريكاتورية عتيقة لهوية البلاد. وعلى مدار العقد الماضي، أدت السياحةُ المُتزايدة إلى تغيير المراكز التاريخية للمدن الإيطالية، وأصبح بعضها أكثر حيويةً وتعدداً ثقافياً، بينما بدأ بعضها الآخر في الانكماش. وهذا مع العلم بأن المدن الإيطالية تعتمد بشكل متزايد على السياحة التي تُمثل 13% من اقتصاد البلاد، حيث تضاعفت سياحةُ الطعام نفسها ثلاث مرات خلال العقد الماضي، وفقاً لأرقام الوكالة الوطنية للسياحة.

(الصورة من خدمة «نيويورك تايمز»)