التطرف ليس له نسب لا في الجغرافيا ولا في التاريخ، ولا صلة له بأي دين، فالكل متضرر منه وضحية له.
لا يمكن تجاوز هذا الحاجز، إلا إذا قدمنا الإنسانَ على كل انتماءاته الدينية والطائفية وغيرها، فإن كان مسلماً فلا بد وأن يكون إنساناً بالدرجة الأولى، ثم ليصبح بعد ذلك ما يريد.. وهكذا مع بقية الانتماءات الدينية والعقدية الأخرى.
الإسلام يقر برابط الأخوّة الإنسانية مع جميع البشر، بلا فواصل ولا قواطع مصطنعة. وقد ذكر الإمام أحمد رحمه الله عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول في دبر كل صلاة: «.. أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة..» (رواه أبو داوود).
كلنا ولد آدم، وإن لم يوحدنا دين، فإن الإنسانية تجمعنا، ولا مفر من رابطتها الجامعة، وإلا تحوّل العالم إلى غابة لا تحميها حتى قوانين الغاب الفطرية.
تخيل أن اليمين المتطرف يتحكم في العالم من أقصاه إلى أقصاه.. ما تكون النتيجة؟! وكيف يمكن للعالم أن يصبح ساحة سلام وتعايش ووئام؟!
عندما نزل عشرات الآلاف من الألمان إلى شوارع العاصمة برلين تعبيراً عن احتجاجهم على تنامي التيارات اليمينية المتطرفة في البلاد، وأعلن التجمع الداعي إلى التظاهرة أن عدد المتظاهرين بلغ نحو 242 ألفاً، بينما كان يُتوقع مشاركة 40 ألفاً فقط، قالت تيريزا هارتمان، المتحدثة باسم التجمع الذي يحمل اسم «كلنا واحد»، إن العدد الكبير للمتظاهرين دليل على نجاح التظاهرة ووصول رسالتها إلى جميع الألمان. وأضافت أن حراكاً إيجابياً مثل هذا هو الذي يعيد التوازنَ إلى المجتمع وإنهاء اختطافه من قبل فئة تريد أن تذهب به بعيداً إلى مذبح التطرف وعدم تقبل المختلف عنه.
وكانت الكتلة البرلمانية لحزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني الشعبوي المتطرف قد طالبت الحكومةَ الألمانية بـ«اتخاذ الإجراءات المناسبة لمنع انتشار المضامين والدعوات المخالفة للدستور الألماني الواردة في القرآن»، أو كما زعمت. كما يطالب الحزب بإلقاء نظرة ناقدة رافضة على حصص الدين الإسلامي في مدارس المسلمين بألمانيا.
وربما من هذا المنطلق قرر المكتب الاتحادي لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية الألمانية) تصنيفَ حزب «البديل من أجل ألمانيا» بأكمله كياناً متطرفاً يهدد الديمقراطية الألمانية. وقال المكتب إن المفهوم السائد للشعب داخل الحزب، وهو مفهوم قائم على العرق والأصل العرقي، لا يتوافق مع النظام الديمقراطي الحر، ولذا فقد أعلن جهاز الاستخبارات الداخلية عن قراره بشأن الحزب اعتماداً على حالات عديدة حاول فيها الحزب «تقويض النظام الديمقراطي الحر» في ألمانيا.وبالفعل فقد صنّف مكتب حماية الدستور الاتحادي (الاستخبارات الداخلية الألمانية) حزبَ «البديل من أجل ألمانيا» باعتباره «منظمة يمينية متطرفة مؤكدة»، وذلك استناداً إلى تقرير استقصائي موسّع حول توجهات الحزب التي وصفها بأنها عنصرية ومُعادية للأجانب.
واستند القرار بشأن «البديل من أجل ألمانيا» إلى قانون حماية الدستور، والذي يُجيز مراقبةَ المنظمات المُهدِدة للنظام الديمقراطي الحر ويسمح بتصنيفها كمنظمات «متطرفة»، مع ما يترتب على ذلك من حجب لبعض الحقوق السياسية.
كما سيسمح التصنيف للاستخبارات الداخلية بتوسيع إجراءات المراقبة الأمنية والقانونية للحزب، بما في ذلك تجنيد مخبرين سرّيين، واعتراض الاتصالات، والتحقيق في مصادر التمويل والدعم المالي.
وقد سبق أن صُنّفت بعض فصائل الحزب على أنها متطرفة في بعض الولايات الشرقية من البلاد، بينما تم تصنيف الحزب ككل «كياناً يُشتَبه بتطرفه» في عام 2021، قبل أن يتم تصنيفه أخيراً، في مايو 2025، منظمةً يمينيةً متطرفة.


